مَنَعَتها مُنذُ القِدمَةَ ، وحَمَتها قَدِ الأَزَلِيَّةَ ، وجَنَّبَتها لَولا التَّكمِلَةَ ، اِفتَرَقَت فَدَلَّت عَلى مُفَرِّقِها ، وتَبايَنَت فَأَعرَبَت عَن مُبايِنِها لِما تَجلّى صانِعُها لِلعُقولِ ، وبِهَا احتَجَبَ عَنِ الرُّؤيَةِ ، وإِلَيها تَحاكَمَ الأَوهامُ ، وفيها أُثبِتَ غَيرُهُ ، ومِنها أُنيطُ الدَّليلُ ، وبِها عَرَّفَها الإِقرارَ ، وبِالعُقولِ يُعتَقَدُ التَّصديقُ بِاللّهِ ، وبِالإِقرارِ يَكمُلُ الإِيمانُ بِهِ ، ولا دِيانَةَ إِلّا بَعدَ المَعرِفَةِ ، ولا مَعرِفَةَ إِلّا بِالإِخلاصِ ، ولا إِخلاصَ مَعَ التَّشبيهِ ، ولا نَفيَ مَعَ إثباتِ الصِّفاتِ لِلتَّشبيهِ ، فَكُلُّ ما فِي الخَلقِ لا يوجَدُ في خالِقِهِ ، وكُلُّ ما يُمكِنُ فيهِ يَمتَنِعُ مِن صانِعِهِ ، لا تَجري عَلَيهِ الحَرَكَةُ وَالسُّكونُ ، وكَيفَ يَجري عَلَيهِ ما هُوَ أَجراهُ ، أَو يَعودُ إِلَيهِ ما هُوَ ابتَدَأَهُ ؟! إِذاً لَتَفاوتَت ذاتُهُ ولَتَجَزَّأَ كُنهُهُ ، ولَامتَنَعَ مِنَ الأَزَلِ مَعناهُ ، ولَما كانَ لِلبارِئِ مَعنىً غَيرُ المَبروءِ .
ولَو حُدَّ لَهُ وَراءٌ إِذا لَحُدَّ لَهُ أَمامٌ ، ولَوِ التُمِسَ لَهُ التَّمامُ إِذا لَزِمَهُ النُّقصانُ ، كَيفَ يَستَحِقُّ الأَزَلَ مَن لا يَمتَنِعُ مِنَ الحُدوثِ ؟ وكَيفَ يُنشِئُ الأَشياءَ مَن لا يَمتَنِعُ مِنَ الإِنشاءِ ؟ إِذا لَقامَت فيهِ آيَةُ المَصنوعِ ، ولَتَحَوَّلَ دَليلاً بَعدَما كانَ مَدلولاً عَلَيهِ .
لَيسَ في مُحالِ القَولِ حُجَّةٌ ، ولا فِي المَسأَلَةِ عَنهُ جَوابٌ ، ولا فِي مَعناهُ لَهُ تُعَظيمٌ ، ولا في إِبانَتِهِ عَنِ الخَلقِ ضَيمٌ ، إِلّا بِامتِناعِ الأَزَلِيِّ أَن يُثَنّى ، وما لا بَدءَ لَهُ أَن يُبدَأَ ، لا إِلهَ إِلّا اللّهُ العَلِيُّ العَظيمُ ، كَذَبَ العادِلونَ بِاللّهِ وضَلّوا ضَلالاً بَعيدا وخَسِروا خُسرانا مُبينا ، وصَلَّى اللّهُ عَلى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ وآلِهِ الطَّيِّبينَ الطّاهِرينَ . ۱