353
موسوعة العقائد الإسلاميّة ج5

وتَحتَ وأَعلى وأَسفَلَ . وقَد قالَ اللّهُ : «وَلِلَّهِ الأَْسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا»۱ ولَم يَقُل في كُتُبِهِ : إِنَّهُ المَحمولُ ، بَل قالَ : إِنَّهُ الحامِلُ فِي البَرِّ والبَحرِ ، وَالمُمسِكُ السَّماواتِ وَالأَرضَ أَن تَزولا ، وَالمَحمولُ ما سِوَى اللّهِ ولَم يُسمَع أَحَدٌ آمَنَ بِاللّهِ وعَظَمَتِهِ قَطُّ قالَ في دُعائِهِ : يا محَمولُ .
قالَ أَبو قُرَّةَ : فَإنَّهُ قالَ : «وَ يَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَـئِذٍ ثَمَـنِيَةٌ »۲ وقالَ : «الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ»۳ ؟
فَقالَ أَبُو الَحَسنِ عليه السلام : العَرشُ لَيسَ هُوَ اللّهُ ، وَالعَرشُ اسمُ عِلمٍ وقُدرَةٍ وعَرشٍ فيهِ كُلُّ شَيءٍ ، ثُمَّ أَضافَ الحَملَ إِلى غَيرِهِ : خَلقٍ مِن خَلقِهِ ؛ لِأَنَّهُ استَعبَدَ خَلقَهُ بِحَملِ عَرشِهِ وهُم حَمَلَةُ عِلمِهِ ، وخَلقا يُسَبِّحونَ حَولَ عَرشِهِ وهُم يَعمَلونَ بِعِلمِهِ ، ومَلائِكَةً يَكتُبونَ أَعمالَ عِبادِهِ . وَاستَعبَدَ أَهلَ الأَرضِ بِالطَّوافِ حَولَ بَيتِهِ ، وَاللّهُ عَلَى العَرشِ استَوى ، كَما قالَ : وَالعَرشُ ومَن يَحمِلُهُ ومَن حَولَ العَرشِ وَاللّهُ الحامِلُ لَهُم ، الحافِظُ لَهُم ، المُمسِكُ القائِمُ عَلى كُلِّ نَفسٍ ، وفَوقَ كُلِّ شَيءٍ ، وعَلى كُلِّ شَيءٍ ، ولا يُقالُ : مَحمولٌ ولا أَسفَلُ ، قَولاً مُفرَدا لا يُوصَلُ بِشَيءٍ فَيَفسُدُ اللَّفظُ وَالمَعنى .
قالَ أَبو قُرَّةَ : فَتُكَذِّبُ بِالرِّوايَةِ الَّتي جاءَت : أنَّ اللّهَ إِذا غَضِبَ إِنَّما ، يُعرَفُ غَضَبُهُ ؛ أَنَّ المَلائِكَةَ الَّذين يَحمِلونَ العَرشَ يَجِدونَ ثِقلَهُ عَلى كَواهِلِهِم ، فَيَخِرّونُ سُجَّدا ، فَإِذا ذَهَبَ الغَضَبُ خَفَّ ورَجَعوا إِلى مَواقِفِهِم ؟
فَقالَ أَبُو الحسن عليه السلام : أَخبِرني عَنِ اللّهِ ـ تَبارَكَ وتَعالى ـ مُنذُ لَعَنَ إِبليسَ إِلى يَومِكَ

1.الأعراف : ۱۸۰ .

2.الحاقّة : ۱۷ .

3.غافر : ۷ .


موسوعة العقائد الإسلاميّة ج5
352

يَأسَفُ كَأَسَفِنا ، ولكِنَّهُ خَلَقَ أَولياءَ لِنَفسِهِ يَأسَفونَ ويَرضَونَ وهُم مَخلوقونَ مَربوبونَ ، فَجَعَلَ رِضاهُم رِضا نَفسِهِ وسَخَطَهُم سَخَطَ نَفسِهِ ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَهُمُ الدُّعاةَ إِلَيهِ والأَدِلّاءَ عَلَيهِ ، فَلِذلِكَ صاروا كَذلِكَ ، ولَيسَ أَنَّ ذلِكَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ ما يَصِلُ إِلى خَلقِهِ ، لكِن هذا مَعنى ما قالَ مِن ذلِكَ ، وقَد قالَ : «مَن أَهانَ لي وَلِيّا فَقَد بارَزَني بِالمُحاربَةِ ودَعاني إِلَيها» ، وقالَ : «مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ»۱ ، وقالَ : «إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ» . ۲
فَكُلُّ هذا وشِبهُهُ عَلى ما ذَكَرتُ لَكَ ، وهكَذَا الرِّضا وَالغَضَبُ وغَيرُهُما مِنَ الأَشياءِ مِمّا يُشاكِلُ ذلِكَ ، ولَو كانَ يَصِلُ إِلَى اللّهِ الأَسَفُ وَالضَّجَرُ ، وهُوَ الَّذي خَلَقَهُما وأَنشَأَهُما لَجازَ لِقائِلِ هذا أَن يَقولَ : إِنَّ الخالِقَ يَبيدُ يَوما ما ؛ لِأَنَّهُ إِذا دَخَلَهُ الغَضَبُ وَالضَّجَرُ دَخَلَهُ التَّغييرُ ، وإِذا دَخَلَهُ التَّغييرُ لَم يُؤمَن عَلَيهِ الإِبادَةُ ، ثُمَّ لَم يُعرَفِ المُكَوِّنَ مِنَ المُكَوَّنَ ، ولَا القادِرُ مِنَ المَقدورِ عَلَيهِ ، ولا الخالِقُ مِنَ المَخلوقِ ، تَعالَى اللّهُ عَن هذَا القَولِ عُلُوّا كَبيرا . ۳

۵۵۷۳.الكافي عن صفوان بن يحيى :سَأَلَني أَبو قُرَّةَ المُحَدِّثُ أن أُدخِلَهُ عَلى أَبِي الحَسَنِ الرِّضا عليه السلام ، فَاستَأذَنتُهُ فَأَذِنَ لِي ، فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ عَنِ الحَلالِ وَالحَرامِ ثُمَّ قالَ لَهُ : أَفَتُقِرُّ أَنَّ اللّهَ مَحمولٌ ؟
فَقالَ أَبُو الحَسَنِ عليه السلام : كُلُّ مَحمولٍ مَفعولٌ بِهِ مُضافٌ إِلى غَيرِهِ مُحتاجٌ ، وَالمَحمولُ اسمُ نَقصٍ فِي اللَّفظ ، وَالحامِلُ فاعِلٌ وهُوَ فِي اللَّفظِ مِدحَةٌ وكَذلِكَ قَولُ القائِلِ : فَوقَ

1.النساء : ۸۰ .

2.الكافي : ج ۱ ص ۱۴۴ ح ۶ عن حمزة بن بزيع ، التوحيد : ص ۱۶۸ ح ۲ ، معاني الأخبار : ص ۱۹ ح ۲ وليس فيه «ثُمَّ لم يعرف المكوِّن من المكوَّن ، ولا القادر من المقدور عليه» ، بحار الأنوار : ج ۴ ص ۶۵ ح ۲ .

  • نام منبع :
    موسوعة العقائد الإسلاميّة ج5
    المساعدون :
    برنجکار، رضا
    المجلدات :
    6
    الناشر :
    دارالحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الثالث
عدد المشاهدين : 113346
الصفحه من 382
طباعه  ارسل الي