171
حكم النّبيّ الأعظم ج6

2 . خصائص ليلة القدر

أ ـ تقدير اُمور السَّنة

جاء التأكيد في عدد كبير من روايات المروية عن أهل البيت عليهم السلام ۱ أنَّ أول خصائص هذه اللّيلة ، هو تقدير اُمور الناس وتدبير أحوالهم وأوضاعهم خلال السَّنة ، وهي اللّيلة الّتي ينزل فيها ما يحدث ويفرق فيها كلّ أمر إلى مثلها ، وربما لهذه الجهة بالذات نزل القرآن الكريم في هذه اللّيلة ؛ هذا الكتاب الّذي يعدّ بدوره برنامج حياة الإنسان .
انطلاقا من هذا المعنى ، بمقدور الإنسان أن يغيّر مصيره ومسار حياته في ليلة القدر عبر استثمار البرنامج الّذي رسمه له القرآن ، ويستحوذ لسنته المقبلة على أفضل المقدّرات ، ويحقّق لنفسه أغنى المكاسب وأكثرها عطاءً ونفعا ، على أنَّ هاهنا ملاحظتين حريّتين بالانتباه ، هما :
الملاحظة الاُولى : إنَّ تقدير مصير الإنسان في ليلة القدر يأتي في سياق مقدّراته في العلم الأزلي للّه سبحانه ، بعبارة أُخرى ، تفيد روايات أهل البيت عليهم السلام ، أنَّ ما هو مقدَّر للناس في علم الحق سبحانه خلال السَّنة ، يبرز بصيغة برنامج مكتوب تكتبه الملائكة ويسلّم إلى إمام العصر بواسطتهم ؛ وذلك تبعا لما يقوم به الإنسان في ليلة القدر .
الملاحظة الثانية : يفيد عدد من الروايات بأنَّ تقدير مصير الإنسان خلال ليلة القدر وتدبير ما سيكون عليه أمره خلال سنة كاملة ، لا يعني استسلامه للمصير ، بحيث لن يكون بمقدوره أن يغيّر شيئا من اُموره ومستقبله ، بل بمقدوره أن يغيّر من مقدّراته القطعيّة في ليلة القدر عبر لجوئه إلى الدعاء وتوسّله بالأعمال الصالحة ، ولذلك كلّه جاء عن الإمام الباقر عليه السلام ، قوله :
فَما قُدِّرَ في تِلكَ اللَّيلَةِ وقُضِيَ فَهُوَ مِنَ المَحتومِ وللّه ِ عز و جل فيهِ المَشِيَّةُ.۲
عندما نأخذ بنظر الاعتبار هذه الرواية وما يقع على شاكلتها ، ونضيف إلى ذلك الأدلّة القطعية الّتي تفيد إجابة الدعاء طوال السنة خاصّةً في عرفات ، وفي المشاهد المشرّفة ، فلا يمكن عندئذٍ قبول ظاهر بعض الروايات الّتي تنصّ على أنَّ مقدّرات ليلة القدر لا ينالها التحوّل والتغيير .

1.الإمام الباقر عليه السلام ـ في قَولِ اللّه ِ تَعالى : «وَ لَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَا» (المنافقون : ۱۱) ـ : إنَّ عِندَاللّه ِ كُتُبا مَرقومَةً يُقَدِّمُ مِنها ما يَشاءُ ، ويُؤَخِّرُ ما يَشاءُ ، فَإِذا كانَ لَيلَةُ القَدرِ أنزَلَ اللّه ُ فيها كُلَّ شَيءٍ يَكونُ إلى لَيلَةٍ مِثلِها ، فَذلِكَ قَولُهُ : «وَ لَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَآءَ أَجَلُهَا» إذا أنزَلَهُ وكَتَبَهُ كُتّابُ السَّماواتِ ، وهُوَ الَّذي لا يُؤَخِّرُهُ (تفسير القمّي : ج ۲ ص ۳۷۱ عن أبي بصير ، بحار الأنوار : ج ۹۷ ص ۱۳ ح ۲۱) . وراجع : الكافي : ج ۱ ص ۵۳۳ ح ۱۲ و ص ۵۳۲ ح ۱۱ و ص ۲۴۷ ح ۲ و ص ۲۴۹ ح ۶ و ص ۲۵۱ ح ۸ و ج ۴ ص ۱۵۷ ح ۳ و ص ۱۶۰ ح ۱۱ و ص ۶۶ ح ۲ ، تهذيب الأحكام : ج ۴ ص ۳۳۲ ح ۱۰۴۲ ، معاني الأخبار : ص ۳۱۶ ح ۲ و ص ۳۱۵ ح ۱ ، عيون أخبار الرضا عليه السلام : ج ۲ ص ۱۱۶ ح ۱ و ج ۱ ص ۱۸۲ ح ۱ ، الإقبال : ج ۱ ص ۳۴۳ و ص ۳۴۱ ، علل الشرائع : ص ۴۲۰ ح ۳ ، تفسير العيّاشي : ج ۲ ص ۶۴ ح ۶۷ ، تفسير القمّي : ج ۱ ص ۳۶۶ ، بصائر الدرجات : ص ۲۲۲ ح ۱۲ ، دعائم الإسلام : ج ۱ ص ۲۸۱ .

2.ثواب الأعمال : ص ۹۳ ح ۱۱ .


حكم النّبيّ الأعظم ج6
170

1 . معنى ليلة القدر

قوله سبحانه : « وَ مَآ أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ » . يدلّ بوضوح ، على أنَّ إدراك المعنى الحقيقي لليلة القدر هو أمر شاقّ تكتنفه صعوبات جمّة ، وأنَّ هذا المعنى هو فوق المستوى الإدراكي لعامّة الناس . بديهي إذا كان المخاطب بالآية هو رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فسيكون الاستفهام في قوله : « مَآ أَدْرَاكَ » لتعظيم ليلة القدر وتكريمها على ما يظهر ، مردّ ذلك ، أنَّ من نزل القرآن على قلبه ، ومن روحه موضع ليلة القدر ، وتهبط عليه الملائكة لتدبير اُمور العالم وتقدير شؤونه ، لا يمكن أن يكون جاهلاً بحقيقة ليلة القدر .
أكثر من ذلك ، قد تتيسّر مشاهدة حقيقة ليلة القدر ولو بقدر لعدد من أهل السير والسلوك ، عبر انتفاعهم من تعاليم أهل البيت عليهم السلام في هذا المجال . لقد عرض العالم الرباني آية اللّه ملكي تبريزي للسؤال التالي : « مامعنى رؤية ليلة القدر ، وما معنى لذّته ؟ » ثُمَّ أجاب عليه بما يلي : « رؤية ليلة القدر عبارة عن كشف ما يقع فيها من نزول الأمر إلى الأرض ، كما يُكشف لإمام العصر عليه السلام في اللّيلة » ۱ .
على أنَّ رؤية هذه الحقيقة والارتقاء إليها أمر عظيم وشأن جليل ، وهو كما وصفه الإمام الصادق عليه السلام بقوله :
إنَّ القَلبَ الَّذي يُعايِنُ ما يُنزَلُ في لَيلَةِ القَدرِ لَعَظيمُ الشَّأنِ .۲
بيد أنَّ الإسلام لم يترك الناس هَمَلاً على هذا الصعيد ، فمن أجل أن ينعم عامّة الناس بمعرفة إجمالية عن معنى ليله القدر ، اضطلعت النصوص الإسلامية بتصوير ملامح لهذه الحقيقة ، عبر بيان خصائص تلك اللّيلة وتلمّس فضائلها ، ممّا سنطلّ على أمثلة له في النقطة التالية .

1.المراقبات : ۱۳۷ . وراجع: تمام كلامه قدس سره .

2.بصائر الدرجات : ۲۴۳ ح ۱۴ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج6
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 169027
الصفحه من 649
طباعه  ارسل الي