175
حكم النّبيّ الأعظم ج6

4 . تحديد ليلة القدر

على ضوء ما يسجّله القرآن من جهةٍ بقوله : « شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ » ، ۱ وما ينصّ عليه من جهة اُخرى بقوله : « إِنَّـآ أَنزَلْنَـهُ فِى لَيْلَةِ الْقَدْرِ »۲ فإنَّ مقتضى الجمع بين الآيتين ، هو أنَّ ليلة القدر في شهر رمضان حتما ، ولكن مع ذلك هناك اختلافات فاحشة في روايات أهل السنّة لتحديد اللّيلة الّتي هي ليلة القدر من بين ليالي شهر رمضان ، على النحو الّذي لا يمكن الجمع بينها ۳ . أمّا ما جاء بشأن تحديدها من روايات عن طريق أهل البيت ، فيكمن تقسيمه إلى خمس مجاميع ، كما جرت على ذلك منهجية الكتاب ، هي :
المجموعة الاُولى : الروايات الّتي تدلّ على أنَّ ليلة القدر في العشر الأُخَر من شهر رمضان .
المجموعة الثانية : الروايات الّتي تدلّ على تحرّيها في إحدى الليالي الثلاث : التاسعة عشرة ، الحادية والعشرين ،والثالثة والعشرين ۴ .
المجموعة الثالثة : الروايات الّتي تدلّ على أنّها في إحدى ليلتين : الليلة الحادية والعشرين ، أو الثّالثة والعشرين ۵ .
المجموعة الرابعة : الروايات الّتي تدلّ على أنَّ الليلة الثالثة والعشرين ، هي ليلة القدر على التحديد .
المجموعة الخامسة : الروايات الّتي تدلّ على أنَّ الليالي الثلاث : التّاسعة عشرة ، والحادية والعشرين والثّالثه والعشرين ، لكلّ واحدة منها دورها الّذي تنهض به في تحديد مقادير الإنسان وتقرير مصيره واُموره ، ولكن الدور الأساسي والأخير منوط بليلة الثّالثة والعشرين .
إنَّ التأمّل مليّا في هذه المجموعات الخمس الّتي أشرنا إليها ، يدلّل ليس على غياب التعارض فيما بينها وحسب ، بل يشير أيضا إلى تعاضدها وأنَّ بعضها يؤيّد بعضا ، وتوضيح : أنَّ ليلة القدر من منظور أحاديث أهل البيت عليهم السلام ـ ومعها قدر لا يُستهان به من أحاديث أهل السنّة ـ هي : الليلة الثّالثة والعشرون من شهر رمضان . وقد قال شيخ المحدّثين ابن بابويه (م 381 ق ) :
اتّفق مشايخنا رضي الله عنهم [ في ليلة القدر ] على أنّها الليلة الثالثة والعشرون من شهر رمضان . ۶
أمّا حثّ روايات المجموعة الاُولى والثانية والثالثة وتركيزها على إحياء العشر الأُخَر من شهر رمضان ، والمثابرة فيهاعلى الأعمال الصالحة لدرك فضيلة ليلة القدر ، وكذلك ما أوصت به من إحياء الليالى التاسعة عشرة والحاديه والعشرين والثالثة والعشرين أو الليلتين الحادية والعشرين والثّالثة والعشرين كما في بعضها الآخر ؛فإنَّ ذلك كلّه يعود إلى الأمرين التاليين :
أوّلاً : أن يحقّق المسلمون منافع أكبر من إحياء ليالي شهر رمضان ويكون لهم أوفر نصيب من هباتها وعطاياها ، ولذاجاء في نص روائي عن سرّ ستر ليلة القدر وتغييبها بين اللّيالي : « أنَّ اللّه َ إنَّما يَستُرُها عَنكم نَظَرا لَكم » .۷
وثانيا : أنَّ ليلة القدر وإن كانت هي الليلة الثّالثة والعشرين ، إلّا أنَّ ذلك لا يعني غياب دور اللّيلتين التّاسعة عشره والحادية والعشرين تماما ، بحيث ليس لهما مطلقا أي دور تؤدّيانه على صعيد تحديد مقادير الإنسان وتقرير مصيره .

1.البقرة : ۱۸۵ .

2.القدر : ۱ .

3.راجع : الدرّ المنثور : ج ۸ ص ۵۷۱ ـ ۵۸۳ .

4.الإمام الباقر عليه السلام : إنَّ عَلِيّاً كانَ يَتَحَرَّى لَيلَةَ القَدرِ ، لَيلَةَ تِسعَ عَشرَةَ ، وإحدى وعِشرينَ ، وثَلاثٍ وعِشرينَ (المصنّف لعبد الرزاق : ج۴ ص ۲۵۱ ح ۷۶۹۶ عن الإمام الصادق عليه السلام وراجع: مجمع البيان : ج ۱۰ ص ۷۸۷ ؛ كنز العمّال : ج ۸ ص ۵۳۹ ح ۲۴۰۵۷ نقلاً عن أبي داوود والبيهقي) .

5.تهذيب الأحكام عن زرارة عن الإمام الباقر عليه السلام ، قالَ : سَأَلتُهُ عَن لَيلَةِ القَدرِ . قالَ : «هِيَ لَيلَةُ إحدى وعِشرينَ ، أو ثَلاثٍ وعِشرينَ» . قُلتُ : ألَيسَ إنَّما هِيَ لَيلَةٌ؟ قالَ : «بَلى» ، قُلتُ : فَأَخبِرني بِها . فَقالَ : «وما عَلَيكَ أن تَفعَلَ خَيرا في لَيلَتَينِ؟» (تهذيب الأحكام : ج ۳ ص ۵۸ ح۲۰۰ ، الأمالي للطوسي : ص ۶۸۹ ح ۱۴۶۶ ، بحار الأنوار : ج ۹۷ ص ۴ . وراجع : الكافي : ج ۴ ص ۱۵۶ ح ۱ و۲ ، تهذيب الأحكام : ج ۳ ص ۵۸ ح ۲۰۱ ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۲ ص ۱۵۹ ح ۲۰۲۹ ، الأمالي للطوسي : ص۶۹۰ ح ۱۴۶۷ ، مجمع البيان : ج ۱۰ ص ۷۸۷ ، الإقبال : ج ۱ ص ۳۵۶) .

6.الخصال : ص ۵۱۹ ح ۷ ، بحار الأنوار : ج ۹۷ ص ۱۶ ح ۳۱ .

7.بحار الأنوار : ج ۳۴ ص ۳۴۶ .


حكم النّبيّ الأعظم ج6
174

3 . دوام ليلة القدر

تفيد عمليّة دراسة آيات سورة القدر وتحليل النصوص الإسلامية ، أنَّ ليلة القدر لا تختصّ بزمان نزول القرآن وبعصرالنَّبي صلى الله عليه و آله ، وإنَّما هي دائمة مستمرّة منذ بداية خلق الإنسان ، وأوّل وجوده إلى نهاية العالم وآخر وجودالإنسان فيه ، وذلك للاعتبارات التالية :
أوّلاً : إنَّ ليلة القدر ظرف لنزول القرآن ، ولابدّ أن يكون الظرف موجودا قبل المظروف .
ثانيا : استخدام الفعل المضارع « تنَزّل » في سورة القدر له دلالته على الاستمرار ، وكذلك يشير استعمال الجملة الاسمية : « سَلَـمٌ هِىَ حَتَّى مَطْـلَعِ الْفَجْرِ »۱ إلى الدوام .
ثالثا : أكّد القرآن الكريم عدّة مرّات على ثبات السنّة الإلهية في تدبير العالم ، وأنَّه لا تغيير في هذه السنّة ولا تبديل ۲ ،ومن ثَمَّ فإنّ هذه السنّة الإلهية الّتي تقضي بتدبير أُمور الإنسانية وتقدير شؤونها ، عامّة تشمل الاُمم والأقوام جميعا في الماضي والحاضر والمستقبل .
رابعا : ثَمَّ روايات مستفيضة وربما متواترة تفيد دوام ليلة القدر واستمرارها بعد رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، كما ثَمَّ عدد من الروايات يؤيّد دوام هذه اللّيلة ، وأنّها كانت منذ أول الخليقة وتستمرّ مع الإنسان حتّى نهاية العالم .
على ضوء ذلك كلّه يتّضح مصير الرواية الّتي جاءت في تفسير « الدرّ المنثور » فيما روي عن النَّبي صلى الله عليه و آله ، من قوله : « إنَّ اللّه َ وَهَبَ لِاُمَّتي لَيلَةَ القَدرِولَم يُعطِها مَن كانَ قَبلَهُم »۳ فعلاوة على ما فيها من ضعف السند ، فلا يمكن الركون إلى مدلولها باعتبار القرائن والأدلّة الّتي سلفت الإشارة إليها .

1.قدر : آيه ۵ .

2. «فَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَ لَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلاً » (فاطر : ۴۳ ) وراجع : الإسراء : ۷۷ والأحزاب : ۳۸ و ۶۲ والفتح : ۲۳ .

3.الدرّ المنثور : ج ۸ ص ۵۷۰ وراجع الفردوس : ج ۱ ص ۱۷۳ ح ۶۴۷ و كنز العمّال : ج۸ ص ۵۳۶ ح ۲۴۰۴۱ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج6
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 197239
الصفحه من 649
طباعه  ارسل الي