آداب الخروج من ضيافة اللّه
يبرز أهمّ آداب الخروج من الضيافة الإلهية في شهر رمضان ، بالمراجعة الذاتية الّتي يُخضع لها الصائم نفسه ، فللصائم أن يراجع نفسه في اللحظات الأخيرة من هذا الشهر ، لينظر المدى الّذي بلغه وكم اقترب من هدف هذه الضيافة؟ ، فهل يحسّ بأنَّ تغييرا معنويا قد طرأ عليه أم أنّه لا يزال عند النقطة ذاتها الّتي انطلق منها في بداية شهر رمضان ؟ في هذا السياق يقول السيّد ابن طاووس ـ رضوان اللّه عليه ـ ضمن أعمال اليوم الأخير من شهر رمضان ما نصّه :
«ومنها اعتبار جريدة أعمالك من أوّل الشهر إلى آخر يوم منه وقبل انفصاله ... فينظر ما كان عليه من حيث دخل دار ضيافة اللّه ـ جلّ جلاله ـ والحضور بين يديه ، ويعتبر معارفه باللّه ـ جلّ جلاله ـ وبرسوله صلى الله عليه و آله وبخاصَّته ، وبما عرفه من الاُمور الّتي هي من مهامّ تكليفه في دنياه وتشريفه في آخرته .
وهل ازداد معرفة بها وحبّا لها وإقبالاً عليها ونشاطا وميلاً إليها ، أم حاله في التقصير على ما دخل عليه في أوَّل الشهر من سوء التدبير ، وكذلك حال رضاه بتدبير اللّه ـ جلَّ جلاله ـ هل هو قام في جميع اُموره ، أو تارة يرضى وتارة يكره ما يختاره اللّه ـ جلَّ جلاله ـ من تدبيره .
وكيف توكُّله على اللّه ـ جلَّ جلالهِ ـ ، هل هو على غاية ما يراد منه من السكون إلى مولاه ، أو يحتاج إلى الثقة باللّه ـ جلّ جلاله ـ إلى غير اللّه ـ جلّ جلاله ـ من علائق دنياه؟
وكيف تفويضه إلى مالك أمره؟ وكيف استحضاره بمراقبة اطّلاع اللّه ـ جلّ جلاله ـ على سرّه؟ وكيف اُنسه باللّه في خلواته وجلواته؟ وكيف وثوقه بوعود اللّه ـ جلّ جلاله ـ وتصديقه لإنجاز عداته؟ وكيف إيثاره للّه ـ جلّ جلاله ـ على من سواه؟
وكيف حبّه له وطلب قربه منه واهتمامه بتحصيل رضاه؟ وكيف شوقه إلى الخلاص من دار الابتلاء والانتقال إلى منازل الأمان من الجفاء؟
وهل هو مستثقل من التكليف ، أو يعتقد أنّ ذلك من أفضل التشريف؟ وكيف كراهته لما كره اللّه ـ جلّ جلاله ـ من الغيبة والكذب ، والنميمة والحسد ، وحبّ الرئاسة ، وكلّ ما يشغله عن مالك دنياه ومعاده؟
وغير ذلك من الأسقام للأديان الّتي تعرض لإنسان دون إنسان ، وفي زمان دون زمان ، بكلّ مرض كان قد زال حمد اللّه ـ جلّ جلاله ـ على زواله ، وقام بما يتهيَّأ له من قضاء حقّ إنعام اللّه ـ جلّ جلاله ـ وإفضاله .
وليكن سروره بزوال أمراض الأديان أهمّ عنده من زوال أمراض الأبدان ، وأكمل من المسارّ بالظفر بالغنى بالدرهم والدينار ، ليكون عليه شعار التصديق بمقدار التفاوت بين الانتفاع بالدنيا الفانية والآخرة الباقية .
أقول : فإن رأى شيئا من أمراضه وسوء أغراضه قد تخلّف وما نفع فيه علاج الشهر بعبادته ، فليعتقد أنّ الذنب له وإنّما أتاه البلاء من جهته ، فيبكي بين يدي مالك رقبته ، ويستعين برحمته على إزالته» . ۱