23
حكم النّبيّ الأعظم ج6

حكم النّبيّ الأعظم ج6
22

1 . علّة تصفيد الشياطين في شهر رمضان

تفيد عملية دراسة النصوص الإسلامية وتحليلها ، وجود علّتين لغلّ الشياطين ومنعها في شهر رمضان ، على النحو الّذيتأتي فيه العلّة الثانية في طول العلّة الاُولى . وهاتان العلّتان هما :
العلّة الاُولى : الممانعة الطبيعية للصيام
يُزيل الصوم على نحو طبيعي الأرضية الّتي تتحرّك عليها سلطة الشيطان للتأثير على الإنسان وإغوائه ، وبتعبير أدقّ ليست السلسلة الّتي تقيّد الشيطان وتغلّه في شهر رمضان سوى الصوم نفسه ، ومن هنا ما جاء عن النَّبي فيقوله صلى الله عليه و آله :
إنَّ الشَّيطانَ لَيَجري مِنِ ابنِ آدَمَ مَجرَى الدَّمِ فَضَيِّقوا مَجارِيَهُ بِالجُوعِ.۱
فهذا الحديث يدلّ بوضوح على أنَّ الصوم يمنع سلطة الشيطان عن الإنسان على نحو طبيعي .
إنَّ السلسلة الّتي ينطوي عليها الصوم لا تقتصر على تصفيد الشيطان وحدَه ، بل تتخطّى ذلك إلى احتواء نوازع النفس الأمّارة وإلى أسرها ، ممّا يؤدّي إلى ردع سلطتها على الإنسان ، وكما قال الإمام أمير المؤمنين عليه السلام :
نِعمَ العَونُ عَلى أسرِ النَّفسِ وكَسرِ عادَتِهَا التَّجَوُّعُ .۲
على هذا الأساس ، فإنَّ جميع الروايات الّتي جاءت تمتدح الجوع وتثني على دوره في بناء النفس وتربيتها ، إنّما تهدف بالحقيقة إلى إيجاد المانع الطبيعي الّذي يصدّ سلطة الشيطان على الإنسان ويحصنه من نوازع النفس الأمّارة وإغواءاتها ، كما تهدف أيضا تحرير قواه العقلية وإطلاق قابليّاته الإنسانية ، على ما يبدو ذلك واضحا من النموذجين الروائيين التاليين اللذين اخترناهما من بين هذا النمط من الروايات : عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
جاهِدوا أنفُسَكُم بِالجُوعِ وَالعَطَشِ ، فَإِنَّ الأجرَ في ذلِكَ كَأَجرِ المُجاهِدِ في سَبيلِ اللّه ِ .۳
وعنه صلى الله عليه و آله أيضا :
أحيوا قُلُوبَكُم بِقِلَّةِ الضِّحكِ وقِلَّةِ الشَّبَعِ ، وطَهِّروها بِالجُوعِ تَصفو۴وتَرِقُّ .۵
العلّة الثانية : اللطف الإلهي الخاص
بالإضافة إلى الرصيد الّذي يوفّره صوم شهر رمضان للصائمين طبيعيا ، متمثّلاً باحتواء سلطة الشيطان وردع إغواءاته عنهم ،فإنَّ هذه الممارسة العبادية تتحوّل بنفسها إلى أرضية لانهمار ألطاف اللّه عليهم وشمولهم بها ، وحينئذٍ فإنَّ ما جاء في الأحاديث من تصفيد الشياطين ، وغلّها في هذا الشهر إنّما هو إشارة لهذا المعنى .
بعبارة اُخرى ، إنَّ اللطف الإلهي ليس جزافا حتّى يصحّ السؤال : لماذا لم يمنع سبحانه سلطة الشياطين ويحول بينها وبين الإنسان في بقيّة الشهور ؟ كلّا ، إنّما ينشأ مبدأ التوفيق الرباني واللطف الإلهي من واقع اختيار الإنسان نفسه ، ودخوله في رحاب الضيافة الرمضانية .

1.إحياء علوم الدين : ج ۱ ص ۳۴۷ ؛ المحجّة البيضاء : ج ۵ ص ۱۴۸ ، عوالي اللآلي : ج ۱ ص ۲۷۳ ح ۹۷ و ص ۳۲۵ ح ۶۶ ، بحار الأنوار : ج ۷۰ ص ۴۲ . أقول : قد ورد هذا الحديث من دون قوله : « فضيّقوا مجاريه بالجوع» في المصادر التالية : صحيح البخاري : ج ۶ ص ۲۶۲۴ ح ۶۷۵۰ ، سنن ابن ماجة : ج ۱ ص ۵۶۶ ح ۱۷۷۹ ، مسند ابن حنبل :ج ۴ ص ۳۱۳ ح ۱۲۵۹۳ و ص ۵۶۸ ح ۱۴۰۴۴ ، سنن الدارمي : ج ۲ ص ۷۷۶ ح ۲۶۸۰ .

2.عيون الحكم والمواعظ : ص ۴۹۴ ، غرر الحكم : ح ۹۹۴۴ وفيه « أشر» بدل « أسر» .

3.إحياء علوم الدين : ج ۳ ص ۱۲۴ ؛ المحجّة البيضاء : ج ۵ ص ۱۴۶ .

4.كذا في المصدر والقياس : « تَصْفُ » .

5.إحياء علوم الدين : ج ۳ ص ۱۲۹ ؛ المحجَّة البيضاء : ج ۵ ص ۱۵۴ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج6
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 169008
الصفحه من 649
طباعه  ارسل الي