2 . علّة عدم الانتفاع من غلّ الشياطين
في إطار التحليل الّذي مرَّ ، فيما يفيده من أنَّ الشياطين تفقد سلطتها على الإنسان في هذا الشهر على الأقل بالنسبة إلى الصائمين ، ينبثق السؤال الرئيسي الثاني في هذا المضمار ، متمثّلاً بما نراه من غفلة الصائمين وابتلائهم بالخطايا والذنوب في هذا الشهر أحيانا ، كما يدلّ عليه تشريع الكفّارات الّذي جاء لعلاج هذه الحالات ، يصوّر السيّد ابن طاووس رحمه الله هذه المفارقة ، بقوله :
سألني بعض أهل الدين ، فقال : إنّني ما يظهر لي زيادة انتفاع بمنع الشياطين ، لأنَّني أرى الحال الّتي كنت عليها من الغفلة قبل شهر رمضان ، كأنّها على حالها مانقصت بمنع أعوان الشيطان ... . ۱
يمكن تقديم جوابين لهذا السؤال ، هما :
الجواب الأول : ليس الشيطان السبب الوحيد للذنوب
يتركز الجواب الأوّل حول معنى يفيد بأنَّ ما يصدر عن الانسان من خطايا وذنوب لا يرتبط بالشيطان وحدَه ولا ينشأ عن إغوائه وحسب ، بل له منشآن رئيسيان آخران ، هما : النفس الأمّارة ، والرين المتراكم من تبعات الذنوب السابقة الّذي يؤدّي إلى تلوّث القلب واسودادهِ ، والواقع أنَّ اللطف الإلهي الّذي يكتنف الإنسان في شهررمضان يلغي تأثير العامل الأوّل المتمثّل بالشيطان ، على حين يبقى العاملان المتبقّيان يمارسان دورهما ، وهما سببان كافيان لتهيئة الأرضية لانحراف الإنسان وتفسير ما يصدر عنه من ذنوب وبقائه على الغفلة .
ولو افترضنا أنَّ الصوم قادر على استيعاب نوازع النفس الأمّارة والقضاء على دورها في دفعه صوب الخطاياوالذنوب ، فإنَّ الرين المتراكم من الذنوب السابقة يكفي ليؤلّف خطرا يهدّد الصائم ويضعه بمعرض الغفلة وارتكاب الذنب .
الجواب الثاني : نسبية تصفيد الشياطين
ما اتّضح من التحليل السابق أنَّ السلسلة الّتي تقيّد الشيطان يتألّف قوامها من صوم شهر رمضان نفسه وليس من شيءآخر ، على هذا فكلّما اتّسم الصوم بالإتقان والتكامل ، زاد ذلك من إحكام السلسلة الّتي تغلّ الشيطان وتردع النفس الأمّارة ، ومن ثَمَّ أدّى ذلك إلى تضاؤل الغفلة والانحرافات الناجمة عنها .
على هذا الضوء يمكن القول بأنَّ من تصدر عنهم الذنوب في شهر رمضان ، فإنَّ صومهم لم يكن صوما سالما .