ولاية الكعبة
كانت الولاية على الكعبة لإسماعيل ثمّ لولده من بعده ، حتّى تغلّبت عليهم جُرهُم فقبضوا بولايتها ، ثمّ ملكتها العماليق ، وهم طائفة من بني كركر بعد حروب وقعت بينهم ، وقد كانوا ينزلون أسفل مكّة كما أنّ جُرهُم كانت تنزل أعلى مكّة ، وفيهم ملوكهم .
ثم كانت الدائرة لجُرهم على العماليق ، فعادت الولاية إليهم ، فتولّوها نحوا من ثلاثمائة سنة ، وزادوا في بناء البيت ورفعته على ما كان في بناء إبراهيم .
ثمّ لمّا نشأت ولد إسماعيل وكثروا وصاروا ذوي قوّة ومَنَعة وضاقت بهم الدار حاربوا جُرهُم فغلبوهم وأخرجوهم من مكّة . ومقدّم الإسماعيليّين يومئذ عمرو بن لحيّ ، وهو كبير خُزاعة ، فاستولى على مكّة وتولّى أمر البيت ، وهو الذي وضع الأصنام على الكعبة ودعا الناس إلى عبادتها . وأوّل صنم وضعه عليها هو «هُبَل» ، حمله معه من الشام إلى مكّة ووضعه عليها ، ثمّ أتبعه بغيره ، حتّى كثرت وشاعت عبادتها بين العرب ، وهُجِرَت الحنيفية .
وفي ذلك يقول شحنة بن خلف الجُرهُميّ يُخاطب عمرو بنَ لُحَيّ :
يا عَمرُو إنَّكَ قد أَحدَثتَ آلِهَةًشَتّى بمكَّةَ حولَ البيتِ أَنصابا
وكانَ للبيتِ رَبٌّ واحدٌ أَبَدافقد جَعَلتَ لَهُ في الناسِ أربابا
لَتَعْرِفَنَّ بأَنَّ اللّه َ في مَهَلٍسَيَصْطَفِي دونَكُم لِلبَيتِ حُجّابا
وكانت الولاية في خُزاعة إلى زمن حليل الخُزاعيّ ، فجعلها حليل من بعده لابنته وكانت تحت قُصيّ بن كلاب ، وجعل فتح الباب وغلقها لرجل من خزاعة يسمّى أبا غبشان الخُزاعيّ ، فباعه أبو غبشان من قصيّ بن كلاب ببعير وزقّ خمر ، وفي ذلك يُضرَب المثل السائر «أخسَرُ مِن صفقةِ أبي غبشان» .
فانتقلت الولاية إلى قريش ، وجدّد قصيّ بناء البيت كما قدّمناه . وكان الأمر على ذلك حتّى فتح النبيّ صلى الله عليه و آله مكّة ، ودخل الكعبة وأمر بالصُّوَر والتماثيل فمُحِيَت ، وأمر بالأصنام فهُدِمت وكُسِرت . وقد كان مقام إبراهيم ـ وهو الحجر الذي عليه أثر قدمَي إبراهيم ـ موضوعا بمعجن في جوار الكعبة ، ثمّ دفن في محلّه الذي يعرف به الآن ، وهو قبّة قائمة على أربعة أعمدة يقصدها الطائفون للصلاة .
وأخبار الكعبة وما يتعلّق بها من المعاهد الدينيّة كثيرة طويلة الذيل اقتصرنا منها على ما تمَسّه حاجة الباحث المتدبّر في آيات الحجّ والكعبة .
ومن خواصّ هذا البيت الذي بارك اللّه فيه وجعله هُدىً أنّه لم يختلف في شأنه أحد من طوائف الإسلام . ۱