كلام في المشتركات
تطلق المشتركات في الفقه على الامور التي يكون استخدامها والانتفاع بها مباحا للجميع ، وهي ملك لجميع المسلمين لا تخص واحدا دون آخر ، وإن كان بالإمكان إيجاد حق الأولوية في التصرف والانتفاع بها لشخص دون آخر عبر بعض السبل و التصرفات ، أو جعلها من بادئ الأمر مختصة بجماعة وفرقة متصفة بصفة معينة .
وقد جعل العلامة الحلي هذه المشتركات ضمن أربعة عناوين هي كالتالي : «الأرض ، والمعادن ، والمياه ، وبعض المنافع» ۱ . وتبعه على هذا ذلك ولده فخر المحققين والمحقق الكركي ۲ ، وخالفهم الشهيد الأول في ذلك فجعلها ثلاثة ، وأخرج الأرض من المشتركات ، وقسم المنافع إلى ستة أقسام ۳ . ومن الفقهاء المعاصرين الذين سلكوا منهج الشهيد في هذا التقسيم الإمام الخمينى رحمه الله . ۴
والذي يراه أغلب الفقهاء أن المساجد والمشاهد المشرفة والمدارس والأسواق والطرق ومحال استراحة المسافرين من أقسام المنافع ، وأن السابق إلى موضع منها أولى به من غيره .
الجدير بالذكر أن كل واحد من المذكورات له تفصيلات عديدة ، وبالخصوص المياه ؛ فإن بعض الفقهاء فصّل بين ماء المطر ومياه الأنهار الكبيرة والجداول الصغيرة والآبار ، أو المقدار المأخوذ منها بالآنية ونحوها ، فأجاز بعض الفقهاء بيعه وحبسه في الصورة الثانية ، وهو في الحقيقة راجع إلى قولهم بأنه من الملك الخاص لا الملك العام والمشترك بين جميع المسلمين . ۵
والذي يراه الشيخ محمّد حسن النجفي (صاحب الجواهر) في خصوص المسألة الأخيرة هو أن المسألة إجماعية ، وأن الروايات الواردة فيها والتي قد يفهم منها خلاف ذلك ليست ناظرة إلى هذه الحالات ۶ ، وصرح في معرض كلامه حول هذه المسألة قائلاً : «وما دل على الاشتراك منها غير مانع من الملك بسببه كحيازة أو إحياء أو نحو ذلك ، كما أن ما دل منها على منع الفضل منزل على منع مباح الماء وبيعه بالتغلب ونحوه أو على الكراهة» ۷ . وقد ذهب ـ تبعا للفقهاء الماضين ـ إلى القول بجواز بيعه وشرائه ، ورأى أن الروايات الدالة على المنع من بيعه قاصرة عن معارضة إطلاق أدلة البيع والإجماع والروايات الاُخرى الدالة على الجواز ۸ ، ۹ .
وقد أفتى الإمام الخميني رحمه الله بشبيه ذلك ، حيث يرى أن مياه الآبار والسواقي التي حفرها الأفراد في أملاكهم من الملك الخاص . ۱۰
جدير بالذكر أنه ورد التفصيل بين المياه المباحة التي دخلت في الملكية الخاصة في فقه أهل السنة أيضا ، فيرى جمهور الفقهاء من أهل السنة فرقا بين المياه الحاصلة من حفر آبار أو قنوات شخصية في الملك الخاص ، وبين المياه الجارية في الأنهار الكبيرة والموجودة في الآبار العامة ۱۱ ، على أنه ذهب بعض فقهائهم ـ كالشوكاني ـ إلى تفصيلات اُخرى شبيهة لما ذكرناه . ۱۲
على هذا الأساس فإن الروايات الواردة في هذا الباب ناظرة إلى الحكم الاستحبابي ، أو أنها تختص ببعض المصاديق التي لم يدخل الماء بعدُ في ملكية شخص خاص ؛ كما ورد الإشعار به في الروايات المروية عن الإمام الباقر والصادق والكاظم عليهم السلام ؛ لأن محور الكلام فيها هو «ماء الوادي» ، وهو في الغالب طلق وغير داخل في الملك الخاص للأفراد .
1.تحرير الأحكام : ج ۴ ص ۴۷۹ و تذكرة الفقهاء : ج ۲ ص ۴۰۰ .
2.بر اساس شماره گذارى چاپ دانشگاه تهران ، به تصحيح محدّث ارموى .
3.ابوعثمان ، عمرو بن بحر كنانى بصرى ، معروف به جاحظ ، اديب پرآوازه قرن سوم هجرى و مؤلّف آثارى همچون الحيوان ، البيان و التبيين و مئة كلمة . وى كتاب اخير را با گردآورى صد سخن از سخنان امير مؤمنان عليه السلام فراهم آورد .
4.إيضاح الفوائد : ج ۲ ص ۲۳۱ ، جامع المقاصد : ج ۷ ص ۸ .
5.الدروس : ج ۳ ص ۶۳ ، اللمعة الدمشقية : ذيل كتاب الصيد والذبائح .
6.تحرير الوسيلة : ج ۲ ص ۲۰۹ .
7.راجع : جامع المقاصد : ج ۷ ص ۵۲ حيث قسم المياه إلى سبعة أقسام .
8.جواهر الكلام : ج ۳۸ ص ۱۱۶ .
9.جواهر الكلام : ج ۳۸ ص ۱۱۹ .
10.نظير رواية سعيد الأعرج ورواية سعيد بن يسار وغيرهما عن الإمام الصادق عليه السلام (راجع : وسائل الشيعة : ج ۱۷ ص ۲۷۳ باب جواز بيع الماء إذا كان ملكا للبائع ، واستحباب بذله للمسلم) .
11.جواهر الكلام : ج ۳۸ ص ۱۱۹ .
12.راجع تحرير الوسيلة : ج ۲ ص ۲۱۷ المسألة ۲۴ .
13.راجع المبسوط للسرخسي : ج ۲۳ ص ۱۶۴ ، المغني لابن قدامة : ج ۴ ص ۲۰۱ ، المجموع للنووي : ج ۱۵ ص ۲۳۹ .
14.نيل الأوطار للشوكاني : ج ۵ ص ۲۴۰ .