73
حكم النّبيّ الأعظم ج6

دوافع تناول الطعام والشراب

إنَّ طبيعة الدافع الّذي يصدر منه الصائم في تناول الطعام والشراب في وقتَي الإفطار والسحر ، له تأثيره في بلوغ كمال الانتفاع من بركات الصوم . لقد جاء في أحد وصايا النَّبي صلى الله عليه و آله إلى الصحابي الجليل أبي ذرّ الغفاري ، قوله :
يا أبا ذَرٍّ لِيَكُن لَكَ في كُلِّ شَيءٍ نِيَّةٌ صالِحَةٌ حَتَّى الأَكلِ وَالنَّومِ .۱
ثَمَّ فرق ولا ريب بين الصائم الّذي يتناول السحور والإفطار بباعث الجوع والعطش وحسب ، وبين من يتناولهما بقصد القربة ورضا اللّه سبحانه ، فالحالة النورية الوضّاءة لصوم الصائم الّذي تناول الطعام فيه بباعث القربة الإلهية ، لا يقارن مطلقا بالصوم الّذي يتمّ تناول الطعام فيه والتقوّي عليه بباعث حيواني وبمحض الشهوة ، بديهي أنَّ الدافع الإلهي في هذه الممارسة ، الّتي يقول فيها الصائم : إنّني أتناول الطعام قربةً إلى اللّه ، يحتاج تحقّقها إلى مقدّمات تتجاوب مع هذه الممارسة ولوازم تقترن معها ، منها أن يتناسب الطعام في النّوعيّة والمقدار مع حاجة البدن .
على ضوء ما مرَّ من المقدّمات والإيضاحات يمكن تكثيف خلاصة الكلام في باب إصلاح الطعام ، بسعي الصائم الالتزام بثلاثة اُمور تقود رعايتها للانغمار بهذه الضيافة الإلهية والانتفاع من مواهبها أكثر فأكثر ، هذه الاُمور الثلاثة ، هي :
1 . حليّة المأكول والمشروب ، واجتناب الأطعمة المحرّمة وتلك الّتي تلابسها الشبهات .
2 . أن تأتي نوعيّة هذه الأطعمة والأشربة ومقدارها ، متّسقةً مع حاجة البدن ومتطلّباته ، وألّا يُترف الصائم في طعامه بالألوان الكثيرة الّتي تفيض عن حاجته .
3 . أن يتناول ما يتناوله من الأطعمة والأشربة ، بقصد القربة وبباعث رضا اللّه وامتثال أمره سبحانه .
بعد أن ينتهي العالم الرباني آية اللّه ملكي تبريزي قدس سره من بيان أصناف الصائمين لجهة طبيعة تعاملهم مع الطعام والشراب ، يقول : « ومنهم : من يكون مأكله ومتقلّبه كلّها محلّلة ولا يُسرف ولا يُترف ، بل يتواضع للّه فيمقدار طعامه وشرابه عن الحدّ المحلّل وغير المكروه ، وهكذا يترك اللّذيذ ويقتصر في الأدام على لون واحد ، أو يترك بعض اللّذائذ وبعض الزيادة .
فدرجاتهم عند ربّهم المراقِب لحفظ مجاهداتِهم ومراقباتِهم محفوظة مجزيّة مشكورة ولا يُظلَمون فتيلاً ، فيجزيهم ربّهم بأحسن ما كانوا يعملون ، ويزيدهم من فضله بغير حساب ، فلا تعلم نفس ما اُخفي لهم من قرّة أعين ، بل ولا خطر على قلب » . ۲ اللّهمَّ اجعلنا منهم .

1.مكارم الأخلاق : ج ۲ ص ۳۷۰ ح ۲۶۶۱ عن أبي ذرّ ، تنبيه الخواطر : ج ۲ ص ۵۸ .

2.المراقبات : ص ۹۸ . راجع: تمام كلامه قدس سره . وراجع: أيضا : الإقبال : ج ۱ ص ۳۹ ـ ۴۲ .


حكم النّبيّ الأعظم ج6
72

اجتناب الأغذية المشتبهة

إذا أراد الصائم أن يستفيد من صومه وينتفع به ، فينبغي له ألّا يقتصر على اجتناب الأغذية الّتي ثبتت حرمتها قطعا ، بل من الضروري له أن يجتنب الأطعمة المشتبهة أيضا . والأغذية الّتي تخالطها الشبهات ، وهي على قسمين :
القسم الأوّل : أن يكون المشتبه محكوما بالحلّية في الظاهر ، كما هو حال الأطعمة الّتي يُهيّئها المضيّف المسلم لضيفه ، والضيف يحتمل أن يكون مصدرها من المال الحرام .
القسم الثاني: ما هو محكوما بالحرمة بحسب الظاهر، كما هو حال الأطعمة الّتي تعدّ من المال المختلط بالحرام ، على النحو الّذي لا يمكن فصل الحلال من الحرام .
على أنَّ النقطة الّتي تبرز على هذا الصعيد ، أنَّ الإسلام أخذ الحيطة لمعالجة هذه الشبهات ودبّر طريقا للخروج من ربقتها ، متمثّلاً بإخراج خمس المال المشتبه عن هذا الطريق ، بمقدور الصائم أن يتخلّص من مشكلة الأطعمة المشتبهة الّتي يتناولها ويطعم منها ضيوفه خاصّةً ، ويطهّرها ممّا يلابسها من شبهات ، لكي يصفوَ له صيام شهر رمضان المبارك وينعم بعطاياه المعنوية أكثر .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج6
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 169092
الصفحه من 649
طباعه  ارسل الي