الرواية الثانية : وضوء الصحابة
في هذا الوضوء المؤلّف من غسلين ومسحين ، يغسل الوجه واليدان ، ويمسح الرأس والرجلان مرّة واحدة في الجميع حسب المتعارف عليه ، وإن كان غسل الوجه واليد مرّة اُخرى سائغا أيضا ؛ وأمّا الغسل ثلاث مرّات فهو غير واجب ، بل غير جائز .
والقائلون بهذا الشكل من الوضوء هم أشخاص مثل عبداللّه بن عبّاس ، رفاعة بن رافع ، تميم بن عاصم المازني ، أوس بن أبي أوس الثقي ، البَراء بن عازب ، وكذلك الإمام علي ۱ .
وممّا يجدر ذكره أنّ هناك أقوالاً مشابهة بين التابعين أيضا. ۲
الرواية الثالثة : وضوء أهل البيت عليهم السلام
اختلفت الروايات بشأن موقف الإمام علي عليه السلام تجاه الاختلاف الحاصل في الوضوء ، وتدل رواية أو روايتان على الوضوء الثلاثي .
فقد روى أحمد في مسنده نقلاً عن عبدالخير:
« قال علي عليه السلام : ألا أريكم وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ثمّ توضّأ ثلاثا ثلاثا». ۳
كما جاء في نسخة من كتاب الغارات للثقفي أنّ الإمام عليا عليه السلام كتب كتابا إلى محمد بن أبي بكر حاكم مصر ، نسب فيه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وضوءا يشبه وضوء عثمان ۴ .
ولكن هناك روايات على العكس من ذلك . وعلى سبيل المثال ، فقد نقل الشيخ المفيد رواية عن الثقفي مؤلّف الغارات ، ينقل فيها وضوء الرواية الثانية عن الإمام علي عليه السلام ، ويصرّح بأنّ الإمام عليه السلام نسبه إلى رسول اللّه صلى الله عليه و آله ۵ .
وقد تمّ تأييد هذه الرواية في الأمالي للطوسي أيضا ، وهي تظهر نوعا من الاختلاف في نسخ كتاب الغارات . وبالإضافة إلى ذلك ، فإنّ هناك نقولاً عديدة تروي المواجهة العامّة التي أبداها الإمام علي عليه السلام إزاء البدعة والإحداث في الوضوء ، وسندرج فيما يلي أحدها . ومن الطريف أنّ راوي هذه الرواية المتعارضة هو عبدالخير أيضا ، حيث يقول :
« رأيت عليّا عليه السلام دعا بماءٍ ليتوضّأ ، فتمسّح به تمسّحا ، ومسح على ظهر قدميه ، ثم قال : هذا وضوء من لم يحدث ، ثم قال : لولا أنّي رأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله مسح على ظهر قدميه ، رأيت أنّ بطونهما أحقّ ، ثمّ شرب فضل وضوئه وهو قائم ، ثمّ قال : أين الذين يزعمون أنّه لا ينبغي لأحدٍ أن يشرب قائما» ۶ .
كما يمكن اعتبار تدوين السنّة النبوية ومن جملتها الوضوء بواسطة بعض أصحاب الإمام علي عليه السلام نوعا من تبيين الإمام علي عليه السلام لوضوء النبي صلى الله عليه و آله . ۷
على أنّنا لم نأخذ بنظر الاعتبار في كلّ ذلك مستندنا الرئيس في كتاب الكافي الكبير والمعتبر . فقد نقل الكليني بسنده المتّصل بالإمام الباقر عليه السلام ( الابن الكبير والصادق للإمام علي عليه السلام ) وضوءه ، وأنّه يراه عين وضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله . ۸
واعتبرت رواية اُخرى وضوء الإمام علي عليه السلام مرّة مرّة ۹ ، وهي تمثّل الطرف المقابل لإصرار عثمان على الوضوء الثلاثي ، وتدلّ على الموقف العملي للإمام علي عليه السلام .
جدير ذكره أنّ أهل بيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله رووا وضوءه صلى الله عليه و آله بهدف أداء رسالتهم وتقديم الميراث العلمي المستودع لديهم من جانب النبي صلى الله عليه و آله ، وقدّموه بشكل عملي للكثير من أصحابهم ۱۰ . وهذه الروايات تخلو من أيّ اختلاف وتعارض داخليين ، وتنسجم مع وضوء الكثير من الصحابة ، كما أنّها تتّفق مع آية الوضوء ۱۱ .
ونقول في الختام : إنّ طريق الاحتياط هو الأخذ بقول أهل البيت عليهم السلام ، فضلاً عن إحاطة أهل البيت عليهم السلام أكثر من غيرهم بوضوء رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ ذلك لأنّ أيّا من الصحابة والرواة والفقهاء لم يعتبر الوضوء « مرّة مرّة» ۱۲ غير صحيح ، كما أنّهم لم يفتوا بفحوى الرواية المنقولة عن عثمان والمنسوبة إلى النبي صلى الله عليه و آله ، والتي جاء فيها : « فمن زاد على هذا ، أو نقص فقد أساء وظلم » ۱۳ ، بل إنّهم يعتبرون الغسل أكثر من مرّة هو الأفضل . ومن جهةٍ اُخرى ، فإنّ الروايات المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام اعتبرت الغسل أكثر من مرّتين ، موجبا لبطلان الوضوء ، فقد جاء فيها :
« من زاد على مرّتين لم يُؤجر ». ۱۴
ولذلك ، فإنّ الغسل مرّة ، أو مرّتين في الوضوء يتّفق عليه الجميع سوى عثمان .
ويصدق هذا الاتّفاق أيضا في بعض تفاصيل الوضوء الاُخرى ، أي مسح مقدار من الرأس أو كلّه ، غسل « المرافق » في « غسل اليدين » ، واتّجاه الغسل من الأسفل إلى الأعلى ، أو على العكس ، رغم أنّه لا اتّفاق في البعض الآخر ، مثل غسل أو مسح « الرجلين » ، ومفهوم « الكعب » في الرجلين .
1.راجع : وضوء النبي صلى الله عليه و آله : ج ۱ ص ۲۶۵ ـ ۲۶۹ .
2.راجع : وضوء النبي صلى الله عليه و آله : ج ۱ ص ۲۷۱ ـ ۲۸۹ ، شرح معاني الآثار : ج ۱ ص ۳۵ .
3.مسند ابن حنبل : ج ۱ ص ۲۶۲ ح ۱۰۰۷ .
4.الغارات : ج ۱ ص ۲۴۴ .
5.الأمالي للمفيد : ص ۲۷۶ .
6.مسند ابن حنبل : ج ۱ ص ۲۴۷ ح ۹۴۳ .
7.رجال النجاشي : ص ۶ الرقم ۲ .
8.الكافي : ج ۳ ص ۲۵ ح ۴ .
9.الكافي : ج ۳ ص ۲۷ ح ۹ .
10.الكافي : ج ۳ ص ۲۴ـ۳۲ ، تهذيب الأحكام : ج ۱ ص ۵۲ .
11.لا شكّ في أنّ آية الوضوء تعتبر المسح هو العمل الواجب للرأس ، ولكنّ بعض المفسّرين والمحدّثين لم يعتبروا العمل الواجب للرجلين قابلاً للاستخراج من الآية استنادا إلى القرائتين بنصب أو جر « أرجلكم » ، ولذلك فقد اعتبروا كلا الرأيين ـ أي مسح الرجل أو غسلها ـ متوافقين مع إحدى القرائتين .
ولكنّنا نرى أنّ مسح الرجلين يتّفق أكثر مع الآية ؛ فاستنادا إلى القراءة بجرّ « أرجلكم » ، دون شكّ ، وفي القراءة بالنصب حسب إحدى احتماليها ـ والذي لا يعدّ ضعيفا بأيّ وجه ـ ، يجب مسح الرجلين أيضا ؛ لأنّ «أرجلكم » مجرورة محّلاً ومنصوبة لفظا لحذف خافضها أي « الباء » ، وبسبب مجيء الخافض في الكلمة قبلها « برؤوسكم » والعطف عليها دون فاصلة . وسبب قوّة هذا الاحتمال قياسا إلى النصب وكون الكلمة « مفعولاً به » لـ « فاغسلوا » أن الفاصلة بين الفعل والمفعول به بهذا المقدار من الطول ليست فصيحة ، بل ليست صحيحة في غير الشعر والضرورة ، وعلى فرض صحّتها ، فإنّ الفصل بجملة كاملة مستقلّة « وامسحوا برؤوسكم » بين الفعل والفاعل ، وفي موضع يؤدّي إلى الالتباس والإجمال ، ليس من شأن أبلغ كتاب في الوجود ( راجع : الميزان في تفسير القرآن : ج ۵ ص ۲۲۱ ـ ۲۲۴ ) .
12.الكافي : ج ۳ ص ۲۴ ح ۶ و ۹ .
13.سنن البيهقى¨ : ج ۱ ص ۷۹ ، سنن أبي داوود : ج ۱ ص ۳۳ ح ۱۳۵ ، سنن ابن ماجة : ج ۱ ص ۱۴۶ ح ۴۲۲ .
14.الكافي : ج ۳ ص ۲۴ ح ۹ .