191
حكم النّبيّ الأعظم ج5

2 . التّعارض مع حكمة الأذان

إنّ التأمّل في الأحاديث الكثيرة الواردة في مصادر الحديث الشيعيّة والسنيّة حول الأذان وفضائله وبركاته ۱ ، يشير بوضوح إلى أنّ فلسفة هذا العمل العباديّ العظيم لا تتعلّق بالإعلام عن أوقات الصلوات وحسب ، بل تتضمّن الكثير من الآثار الفرديّة والاجتماعيّة ، والدنيويّة والاُخرويّة ، فهل يمكن أن نصدّق بأنّ كلّ هذه الحِكَم والبركات كانت بسبب رؤيا عبد اللّه بن زيد؟! أو أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يعرف فلسفة الأذان وفضائله وآثاره ، لكنّه لم يطّلع عليه فصولاً وأجزاءً؟!

3 . تكذيب أهل البيت عليهم السلام لها

إنّ أهل البيت عليهم السلام فضلاً عن تأكيدهم على أنّ مصدر الأذان هو الوحي ، فقد صرّحوا بتكذيب الروايات والأخبار التي تجعل الرؤيا مصدرا لتشريع الأذان ، وعدّوها منافية للإيمان بالنبوّة ، وإذا لم يكن ثمّة دليل على إثبات عدم صحّة تلك الروايات ووضعها ، فإنّ نفي أهل البيت عليهم السلام لها يكفي في المقام ؛ لأنّ «أهل البيت أدرى بما في البيت». ولا يقتصر ردّها ونفيها على أهل البيت عليهم السلام وحدهم ، بل يتعدّى ذلك إلى أشخاص آخرين ؛ مثل محمّد بن الحنفيّة الّذي صرّح ببطلانها .
روى برهان الدين الحلبيّ عن أبي العلاء ، قال :
قلت لمحمّد بن الحنفيّة : إنّا لنتحدّث أنّ بدء هذا الأذان كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه . ففزع لذلك محمّد بن الحنفيّة فزعا شديدا ، وقال : عمدتم إلى ما هو الأصل في شرائع الإسلام ومعالم دينكم فزعمتم أنّه إنّما كان من رؤيا رآها رجل من الأنصار في منامه تحتمل الصدق والكذب ، وقد تكون أضغاث أحلام؟! قال : فقلت له : هذا الحديث قد استفاض في الناس؟ قال : هذا واللّه هو الباطل ... . ۲

1.راجع : موسوعة ميزان الحكمة : ج ۲ ( الأذان / الفصل الأول : تشريع الأذان / حكمة الأذان : ح ۱۰۵۶ و ۱۰۵۷ ) .

2.السيرة الحلبيّة : ج ۲ ص ۹۶ .


حكم النّبيّ الأعظم ج5
190

ثانيا : نقد الرّوايات وتحليلها

إنّ مناقشة أسانيد الروايات المتقدّمة والتأمّل في نصّها ودلالتها وعرضها على روايات أهل البيت عليهم السلام ، لم يَدَع أدنى مجالٍ للشكّ والتردّد عند الباحث في وضعها . والّذي يدلّ على عدم صحّة هذه الروايات ما يلي :

1 . المنافاة مع مقام النّبوّة

إنّ الاعتقاد بكون مصدر تشريع الأذان هو رؤيا عبد اللّه بن زيد أو غيره ، يعني أنّ خاتم الأنبياء صلى الله عليه و آله الّذي يتلقّى الأوامر من عند اللّه تعالى عن طريق الوحي حتّى في أصغر المسائل المتعلّقة بالسلوك الفرديّ للمجتمع الإسلاميّ ، كيف لا يتلقّى مثل هذه الأوامر في واحدة من كبرى العبادات السياسيّة والاجتماعيّة في ديننا؟ حتّى أنّه يبقى متحيّرا لا يعرف ماذا يفعل تجاه هذه المسألة مدّة عشرين يوما على ما جاء في بعض الروايات ، ومن ثمّ تنفرج الأزمة برؤيا واحدٍ أو أكثر من الصحابة ، توجب قرار النبيّ صلى الله عليه و آله وتشريع الأذان!
لا ريب في أنّ هذا الرأي لا يجتمع مع الاعتقاد بالنبوّة ، ومن هنا دعا الإمام الصادق عليه السلام القائلين بهذا الرأي إلى محاكمة عقلهم ووجدانهم ، واستنكر عليهم الجمع بين ما يرْوُون و بين الاعتقاد بنبوّة النبيّ صلى الله عليه و آله ونزول الوحي ، قال عليه السلام :
يَنزِلُ الوَحيُ عَلى نَبِيِّكُم ، فَتَزعُمونَ أنَّهُ أخَذَ الأَذانَ مِن عَبدِ اللّه ِ بنِ زَيدٍ!!.۱

1.راجع : موسوعة ميزان الحكمة : ج ۲ ( الأذان / الفصل الأول : تشريع الأذان/ تكذيبُ بعضِ مارويَ في بَدءِ تشريعه ) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج5
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 205510
الصفحه من 622
طباعه  ارسل الي