319
حكم النّبيّ الأعظم ج5

1 . حقيقة الدعاء

يتبيّن من التأمّل في استعمال كلمة «الدعاء» في القرآن والحديث أنّ دعاء الإنسان أمام اللّه سبحانه هو في الحقيقة بمعنى عدّ نفسه عبدا للّه ومحتاجا مطلقا إليه ، وانتظار عنايته ورحمته بعبادته . ومن هنا قال الإمام الصادق عليه السلام مبيّنا جنودَ العقل والجهل :
وَالدُّعاءُ وضِدُّهُ الاِستِنكافُ .۱
وهذا يعني أنّ «الدعاء» من جنود العقل . والعقل هو الذي يرى الإنسان محتاجا مطلقا ، لذا يدعوه إلى عبوديّة الكمال المطلق حتّى يظفر بعنايته ورحمته من خلال عبادته . فكلّما ازدادت معرفة الإنسان كثر دعاؤه ، كما رُوي عن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام قوله :
أعلَمُ النّاسِ بِاللّه ِ أكثَرُهُم لَهُ مَسأَ لَةً .۲
ولمّا سما أئمّة الدين إلى أعلى درجات العقل والمعرفة كانوا يرون أنفسهم محتاجين إلى اللّه أكثر من غيرهم ، ولذا كان لهم اهتمام فائق بالدعاء . ۳
وفي النقطة المقابلة ، يُفضي الجهلُ بالإنسان إلى أن يرى نفسه مستقلّاً غير محتاج ، ومعرضا مستنكفا عن عبوديّة اللّه وطلب رحمته وطريق طاعته . ولهذا الحديث الشريف عمق في الآية الكريمة الآتية :
«وَ قَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِى سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ» . ۴
تدلّ هذه الآية الكريمة بوضوح على أنّ حقيقة «الدعاء» من منظور القرآن شعور الإنسان بعبوديّته لخالقه ، وطلب قربه ورحمته عن طريق عبادته . لذا تعبّر الآية عن هذه الحقيقة بكلمة «الدعاء» أوّلاً ، ثمّ بكلمة «العبادة» . وكذلك نلاحظ أنّ جميع الأحاديث التي تصف «الدعاء» بمخّ العبادة أو تراه عين العبادة تُشير إلى حقيقة مفهوم الدعاء .
يستبين من التأمّل فيما ذُكِر أنّ القصد من حقيقة الدعاء الموجود في جميع العبادات هو الشعور بالعبوديّة للّه الحقّ والحاجة المطلقة إليه وطلب قربه ورحمته بواسطة عبادته ، لا أنّه مرادف لجميع العبادات كالصلاة والصيام وأمثالهما فيُثار هذا السؤال : إذا كان «الدعاء» بمعنى «العبادة» فإنّ الحديث القائل : «الدُّعاءُ مُخُّ العِبادَةِ» ۵ يعني «العبادة مخّ العبادة» .

1.الكافي : ج ۱ ص ۲۳ ح ۱۴ ، علل الشرائع : ص ۱۱۵ ح ۱۰ ، الخصال : ص ۵۹۱ ح ۱۳ ، المحاسن : ج ۱ ص ۱۹۷ ح ۲۲ ، بحار الأنوار : ج ۱ ص ۱۱۱ ح ۷ .

2.راجع : نهج الدعاء : ( الفصل الأول / الباب الأول : الحث على الدعاء / الاهتمام بالدعاء : ح ۹ ) .

3.راجع : نهج الدعاء : ( الفصل الأول / الباب الأول : الحث على الدعاء / الاهتمام بالدعاء / اهتمام أولياء اللّه بالدعاء ) .

4.غافر : ۶۰ .

5.راجع : نهج الدعاء : ( الفصل الأول / الباب الثاني : فضل الدعاء / مخّ العبادة) .


حكم النّبيّ الأعظم ج5
318

الدعاء في القرآن والحديث

استُعمل الدعاء في القرآن والحديث بمعانٍ متنوّعة تنظر إلى مفهومه اللغويّ .
وتُستعمَل هذه الكلمة بعامّة فيما يخصّ اللّه تعالى تارةً ، وما يخصّ الإنسان تارة اُخرى . ودعاء اللّه نوعان :

أ ـ تكويني

وهو بمعنى إيجاد الشيء لهدف خاصّ ، فكأنّه يُدعى ما يُوجَد إلى ما يريده اللّه سبحانه ، كما في قوله تبارك اسمه :
«يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ» . ۱
أي : إنّ اللّه سبحانه يدعو الناس في يوم القيامة إلى حياة الآخرة تكوينا ، وهم يجيبون دعوته بحياتهم بعد الموت .

ب ـ تشريعي

وهو تكليف الناس بما فرض اللّه عليهم وترك ما حرّمه . فالتكليف في الحقيقة هو دعوة المكلّف إلى الائتمار بأوامر اللّه وترك نواهيه ، كقوله عز و جل :
«أَفِى اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَـوَ تِ وَ الْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى» . ۲
بكلمةٍ مستعاضَة : الدين رسالة لتكامل الإنسان إذ يدعوه ربّه إليه ليُدرك فلسفة خلقه بتطبيقه في الحياة .

مفهوم الدعاء فيما يخصّ الإنسان

كان ذلك معنى «الدعاء» بشأن اللّه سبحانه وتعالى . أمّا معناه بشأن الإنسان فله استعمالات متباينة في القرآن والحديث حقيقةً ومجازا . ۳ ولا ضرورة لعرضها في مدخلنا هذا . وما هو مهمّ ضروريّ تبيانه هنا الكشف عن المفهوم الحقيقيّ لدعاء الإنسان أمام خالقه . وفيما يأتي تبويب مجمَل للآيات والأحاديث الواردة بهذا الشأن :

1.الإسراء : ۵۲ .

2.إبراهيم : ۱۰ .

3.راجع : نضرة النّعيم : ج۵ ص۱۹۰۴ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج5
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 208343
الصفحه من 622
طباعه  ارسل الي