359
حكم النّبيّ الأعظم ج5

توضيح حول رفع الصّوت بالدّعاء

الدعاء كلام مع من ليس أحد أقرب إلى الإنسان مثله ۱ ، بل هو أقرب إليه من حبل الوريد ۲ . من هنا يُعدّ رفع الصوت بالدعاء خلافا للأدب ، كما أشار النبيّ صلى الله عليه و آله إلى هذه النقطة قائلاً :
اِربَعوا عَلى أنفُسِكُم ، إنَّكُم لا تَدعونَ أصَمَّ ولا غائِبا ، إنَّكُم تَدعونَ سَميعا قَريبا ، وهُوَ مَعَكُم .۳
على هذا الأساس ، إذا كان في رفع الصوت بالدعاء أذىً للناس فهو مذموم بل محظور عقلاً ونقلاً . ۴
ويُثار هنا سؤال ، وهو : إذا كان رفع الصوت بالدعاء مذموما ، فَلِمَ كان الأئمّة يرفعون أصواتهم بالدعاء أحيانا كما مرّ في بعض الحالات من سيرتهم؟
والجواب هو أنّ ذمّ رفع الصوت موضوع عرفيّ ، فلطبيعته ومقداره أثر في حكم العرف . وشتّان بين من يطلب حاجته من اللّه بصوت عالٍ ونبرة مسيئة للأدب كالدائن الذي يريد من غريمه شيئا ، وبين من يطلبها بأدب ووقار كالإمام الحسين عليه السلام حين تفاعل في عرفات وهو يدعو اللّه بكلّ تواضع وانكسار ونحيب وتضرّع وعيونه دامعة وقلبه حزين ، لكنّه يقول بصوت عالٍ : «يا أسمَعَ السّامِعينَ ...» ۵ أو كالإمام الصادق عليه السلام إذ كان ينادي في جوف الليل وهو قائم مع المتهجّدين فيقول : «اللّهُمَّ أعِنّي عَلى هَولِ المُطَّلَعِ ووَسِّع عَلَيَّ ضيقَ المَضجَعِ ...»۶ فلم يزعجهم ويؤذهم ، بل كان أهل بيته متشوّقين إلى سماع مناجاته الرافدة بالقوّة والنشاط في جوف الليل .
وبعبارة اُخرى ؛ إنّ خفض الصوت في أثناء الدعاء وهو ما يقتضيه تعظيم اللّه والتواضع بين يديه من جهة ، ويوجب من جهة اُخرى نيل رضا اللّه وإيجاد مزيد من التوجّه إليه والاُنس به . وهذا ما يدركه ويصدّقه عقل الإنسان ووجدانه بكلّ جلاء .
وعلى هذا الأساس يختلف مقتضى الحالات والمقامات المختلفة . والعقل والوجدان يستشعر في كلّ حال ومقام المدى المناسب من خفية أو جهر الصوت . ومع الحفاظ على مبدأ الهدوء واجتناب الزعيق والصراخ ، فهو يميّز كلّ واحد من مقامات ـ الطلب ، والتحرّق واللهفة ، وحالة تضمين التعليم والتربية في أصل الدعاء ـ عن المقامات والحالات الاُخرى .

1. «وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ» (البقرة : ۱۸۶) .

2. «وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ» (ق : ۱۶) .

3.راجع : نهج الدعاء : ( الفصل الثاني / الباب الثالث : ما ينبغي للداعي حين الدعاء / خفض الصوت : ح ۲۵۶ ) .

4.راجع : موسوعة ميزان الحكمة : ج ۲ ( الإيذاء / الفصل الثالث : ذم أنواع الايذاء / العبادة المؤذية ) .

5.البلد الأمين : ص ۲۵۸ ، الإقبال : ج ۲ ص ۸۷ ، بحارالأنوار : ج ۹۸ ص ۲۲۴ ح ۲ .

6.الكافي : ج ۲ ص ۵۳۹ ح ۱۳ ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۱ ص ۴۸۰ ح ۱۳۸۹ كلاهما عن عبد الرحمن ابن الحجّاج ، بحارالأنوار : ج ۸۷ ص ۱۹۲ ح ۶ .


حكم النّبيّ الأعظم ج5
358

۷۷۴۲.سنن أبي داوود عن أبي موسى الأشعري :كُنتُ مَعَ رَسولِ اللّه ِ صلى الله عليه و آله في سَفَرٍ ، فَلَمّا دَنَوا مِنَ المَدينَةِ كَبَّرَ النّاسُ ورَفَعوا أصواتَهُم .
فَقالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : يا أيُّهَا النّاسُ ! إنَّكُم لا تَدعونَ أصَمَّ ولا غائِبا ، إنَّ الَّذي تَدعونَهُ بَينَكُم وبَينَ أعناقِ رِكابِكُم . ۱

1.سنن أبي داوود : ج ۲ ص ۸۷ ح ۱۵۲۶ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج5
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 205493
الصفحه من 622
طباعه  ارسل الي