363
حكم النّبيّ الأعظم ج5

تحليل حول رفع اليد إلى السّماء في الدعاء

أحد آداب الدعاء رفع الأيدي إلى السماء ، وهكذا كانت سيرة النبيّ صلى الله عليه و آله إذ كان يرفع يديه عند الدعاء أحيانا إلى الحدّ الذي كان يُرى فيه بياض إبطَيه . ۱ وَمَثله في طلب حاجته من اللّه سبحانه مَثَل بائس مسكين يرفع يديه ليطلب من أحد شيئا .
ويبرز هنا سؤال وهو : لِمَ يرفع الداعي يديه إلى السماء عند الدعاء واللّه موجود في كلّ مكان؟
وخالَ البعض أنّ رفع اليدين إلى السماء علامة الاعتقاد بتجسيم الحقّ تعالى وتحديد مكان له في حين أنّ الجسم والمكان من صفاته السلبيّة سبحانه وتعالى ، فهو ليس جسما ، ولا يخلو منه مكان ، فلا تفاوت بين رفع اليدين في الدعاء وبين تركهما مُسبَلَتَين ، لذلك أنكروا هذا الأدب .
وتدلّ أحاديث هذا الباب على أنّ هذا السؤال كان يؤخذ مأخذ الجدّ في عصر صدر الإسلام ، وأجاب الأئمّة عنه . واُجملت الأجوبة في أربعة ، هي كالآتي :
1 . رفع اليدين في الدعاء نوع من العبادة كلّف اللّه سبحانه به عباده ، وهو كالتوجّه إلى الكعبة في الصلاة ، والركوع والسجود وأمثالها . ۲
2 . رفع اليدين في الدعاء سنّة نبويّة إذ أمر النبيّ صلى الله عليه و آله المسلمين أن يعملوا بها . ۳
3 . الحكمة من رفع الأيدي إلى السماء في الدعاء تتمثّل في أنّ السماء محلّ أنواع الرزق التي يحتاج إليها الإنسان ويطلبها . من أجل ذلك أمر اللّه أولياءه أن يمدّوا أيديهم إلى السماء والعرش الإلهيّ أثناء دعائهم . ۴
4 . أجاب العلّامة الطباطبائيّ رحمه الله عن هذه الشبهة بقوله :
«لا معنى لإنكار بعضهم رفع اليدين بالدعاء ، معلّلاً بأنّه من التجسيم؛ إذ رفع اليدين إلى السماء إيماء إلى أنّه تعالى فيها ـ تعالى عن ذلك وتقدّس ـ وهو قول فاسد؛ فإنّ حقيقة جميع العبادات البدنيّة ، هي تنزيل المعنى القلبي والتوجّه الباطني إلى موطن الصورة ، وإظهار الحقائق المتعالية عن المادّة في قالب التجسّم ، كما هو ظاهر في الصلاة والصوم والحجّ وغير ذلك وأجزائها وشرائطها ، ولولا ذلك لم يستقم أمر العبادة البدنيّة ، ومنها الدعاء ، وهو تمثيل التوجّه القلبي والمسألة الباطنيّة بمثل السؤال الذي نعهده فيما بيننا ، من سؤال الفقير المسكين الداني من الغنيّ المتعزّز العالي ، حيث يرفع يديه بالبسط ، ويسأل حاجته بالذلّة والضراعة» . ۵
والملاحظة اللافتة للنظر هي أنّ رفع الأيدي إلى السماء عند الدعاء لا يُعَدّ أدبا وقيمةً إلّا إذا رفع الداعي يديه عن معرفة ، وعلم أنّ اللّه تعالى موجود في كلّ مكان . وحينئذٍ يعدّ العمل المذكور أدبا ، وإلّا فمن ظنّ أنّ اللّه في السماء ومدّ يديه إليه ، فلا قيمة لعمله هذا . وكذلك النظر إلى السماء أثناء الدعاء ، ولذا نقل الإمام الصادق عليه السلام عن آبائه المطهَّرين فقال :
مَرَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله عَلى رَجُلٍ وهُوَ رافِعٌ بَصَرَهُ إلَى السَّماءِ يَدعو ، فَقالَ لَهُ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : غُضَّ بَصَرَكَ فَإِنَّكَ لَن تَراهُ .
وقالَ : ومَرَّ النَّبِيُّ عَلى رَجُلٍ رافِعٍ يَدَيهِ إلَى السَّماءِ وهُوَ يَدعو ، فَقالَ رَسولُ اللّه ِ صلى الله عليه و آله : اُقصُر مِن يَدَيكَ فَإِنَّكَ لَن تَنالَهُ .۶

نعم يمكن أن يكون هذان الحديثان ناظرين إلى خروج المرء عن حالة الاعتدال في الشخوص بالبصر أو رفع اليدين إلى السماء .

1.نُقل عن أنس أنّ النبيّ صلى الله عليه و آله كان يرفع يديه بالدعاء عند الاستسقاء لا غيره (صحيح البخاري : ج ۳ ص ۱۳۰۷ ح ۳۳۷۲) . ورُوي عن سليمان بن داوود قوله : لم يُحفَظ عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله أنّه رفع يديه الرفع كلّه إلّا فى ثلاثة مواطن : الاستسقاء ، والاستنصار ، وعشيّة عرفة . ثمّ كان بعد رفع دون رفع (المراسيل : ص ۱۲۴ ح ۱۳) . ونظرا إلى الأحاديث المارّة في هذا الباب ينبغي أن نقول : كان صلى الله عليه و آله يرفع يديه في الحالات المهمّة . وقلّما رفعهما في غيرها . وأحيانا لم يرفعهما . وحديث أنس قياسا بسائر الأحاديث يحتّم علينا أن نقول : إنّ ما قاله هو مشاهداته الشخصيّة ، ولا يغاير ما رواه سواه .

2.راجع : نهج الدعاء : ( الفصل الثاني / الباب الثالث : ما ينبغي للداعي حين الدعاء / رفع اليدين : ح ۲۷۱ ) .

3.راجع : نهج الدعاء : ( الفصل الثاني / الباب الثالث : ما ينبغي للداعي حين الدعاء / رفع اليدين : ح ۲۶۱ ـ ۲۶۸ ) .

4.راجع :نهج الدعاء :( الفصل الثاني/الباب الثالث :ماينبغي للداعي حين الدعاء/رفع اليدين :ح۲۶۹ و۲۷۰ ) .

5.الميزان في تفسير القرآن : ج ۲ ص ۳۸ .

6.التوحيد : ص ۱۰۷ ح ۱ ، الجعفريّات : ص ۳۸ عن الإمام الكاظم عن آبائه عن الإمام علي عليهم السلام نحوه ، بحار الأنوار : ج ۹۳ ص ۳۰۷ ح ۴ .


حكم النّبيّ الأعظم ج5
362

۷۷۵۰.سنن النسائي عن اُسامة بن زيد :كُنتُ رَديفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله بِعَرَفاتٍ ، فَرَفَعَ يَدَيهِ يَدعو ، فَمالَت بِهِ ناقَتُهُ فَسَقَطَ خِطامُها ۱ ، فَتَناوَلَ الخِطامَ بِإِحدى يَدَيهِ وهُوَ رافِعٌ يَدَهُ الاُخرى . ۲

1.الخِطام : الحبل الذي يقاد به البعير (النهاية : ج ۲ ص ۵۱ «خطم») .

2.سنن النسائي : ج ۵ ص ۲۵۴ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج5
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 205438
الصفحه من 622
طباعه  ارسل الي