فَقُلتُ لَهُ : جُعِلتُ فِداكَ ! إنَّ في شيعَتِكَ ومَواليكَ قَوماً يَتَحَمَّلونَ عُلومَكُم ويَبُثّونَها في شيعَتِكُم ، فَلا يَعدَمونَ عَلى ذلِكَ مِنهُمُ البِرَّ والصِّلَةَ وَالإِكرامَ .
فقال : لَيسَ اُولئِكَ بِمُستَأكِلينَ . ۱
الملاحظة الجديرة بالاهتمام في هذا المجال هي أنّ أخذ الأجر على التبليغ من غير طلبه وإن لم يكن فيه بأس ، ولايتعارض مع بعض مراتب الإخلاص ، بيد أنّ تركه أولى ؛ إذ أنّ الأنبياء والأولياء الكمّل كانوا يتجنّبون استلام أي نوع من الأجر ، ولم يكونوا يقبلون أخذ أيّ أجر ، ليس في مقابل التبليغ فحسب ، بل في مقابل أيّ عمل اُخروي آخر كانوا يؤدّونه للّه ، حتّى في أشدّ الظروف المعيشيّة قسوةً . وقد رويت في هذا المجال قصّة شائقة جدّاً عن النبيّ موسى عليه السلام ، نوردها في ما يأتي .
قصّة تعكس إخلاص موسى عليه السلام
قبل أن يُبعث موسى عليه السلام نبيّاً ، فرَّ من الفراعنة ، وبعد مصاعب جمّة وصل إلى «مدين» ، وهي مدينة النبيّ شعيب عليه السلام . وكان على مقربة من تلك المدينة بئر اجتمع عنده الرعاة ليسقوا أغنامهم من الماء . وكان بجانب هؤلاء الرعاة بنتان جاءتا تستسقيان الماء لأغنامهما ، إلّا أنّ شدّة الزحام حال دون تقرّبهما من البئر والاستسقاء منه . وعندما شاهد موسى عليه السلام ذلك شعر أنّ البنتين بحاجة إلى العون ، فبادر إلى مساعدتهما وسقى أغنامهما ، ثمّ غادرت البنتان المكان برفقة الأغنام .
وكان موسى آنذاك يتضوّر من شدّة الجوع ، فرفع يديه بالدعاء وقال :
«رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ» . ۲
وفي هذا الخصوص يقول الإمام عليّ عليه السلام :