353
حكم النّبيّ الأعظم ج4

كانَت فاطِمَةُ عليهاالسلام إذا دَعَت تَدعو لِلمُؤمِنينَ وَالمُؤمِناتِ ولا تَدعو لِنَفسِها، فَقيلَ لَها: يا بِنتَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، إنَّكِ تَدعينَ 1 لِنَفسِكِ ! فَقالَت: الجارُ ثُمَّ الدّارُ. 2
مضى على هذا المنهاج أتباع أهل البيت عليهم السلام إذ كان المبرّزون منهم يحظون بفضيلة هذا الضرب من الإيثار العبادي.
يحدّث زيد النرسي، بقوله:
كُنتُ مَعَ مُعاوِيَةَ بنِ وَهَبٍ فِي المَوقِفِ وهُوَ يَدعو ، فَتَفَقَّدتُ دُعاءَهُ ، فَما رَأَيتُهُ يَدعو لِنَفسِهِ بَحَرفٍ ، ورَأَيتُهُ يَدعو لِرَجُلٍ رَجُلٍ مِنَ الآفاقِ ويُسَمِّيهِم ويُسَمِّي آباءَهُم حَتّى أفاضَ النّاسُ .
فَقُلتُ لَهُ : يا عَمُّ ، لَقَد رَأَيتُ مِنكَ عَجَبا !
قالَ : وَمَا الَّذي أعجَبَكَ مِمّا رَأَيتَ ؟
قُلتُ : إيثارُكَ إخوانَكَ عَلى نَفسِكَ في مِثلِ هذَا المَوضِعِ ، وتَفَقُّدُكَ رَجُلاً رَجُلاً .
فَقالَ لي : لا تَعجَب مِن هذا يَابنَ أخي ؛ فَإِنّي سَمِعتُ مَولايَ ومَولاكَ ومَولى كُلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنَةٍ ـ وكانَ وَاللّهِ سَيِّدَ مَن مَضى ، وسَيِّدَ مَن بَقِيَ بَعدَ آبائِهِ عَلَيهِمُ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ ـ وإلّا صُمَّتا اُذُنا مُعاوِيَهَ وعَمِيَتا عَيناهُ ولا نالَتهُ شَفاعَةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله إن لَم يَكُن سَمِعتُهُ مِنهُ وهُوَ يَقولُ:
مَن دَعا لِأَخيهِ في ظَهرِ الغَيبِ ناداهُ مَلَكٌ مِنَ السَّماءِ الدُّنيا : يا عَبدَ اللّهِ ، ولَكَ مِئَةُ ألفِ ضِعفٍ مِمّا دَعَوتَ ، وناداهُ مَلَكٌ مِنَ السَّماءِ الثّانِيَةِ : يا عَبدَ اللّهِ ، ولَكَ مِئَتا ألفِ ضِعفٍ مِمّا دَعَوتَ ، وناداهُ مَلَكٌ مِنَ السَّماءِ الثّالِثَةِ : يا عَبدَ اللّهِ ، ولَكَ

1. لِلنّاسِ ولا تَدعينَ . في المصدر : «تدعون» ، والتصويب من بحارالأنوار .

2.علل الشرائع : ص ۱۸۲ ح ۲ عن أبي زيد الكحّال عن أبيه، روضة الواعظين : ص ۳۶۱ نحوه من دون إسنادٍ إلى أحدٍ من أهل البيت عليهم السلام ، بحار الأنوار: ج ۴۳ ص ۸۲ ح ۴ وراجع دلائل الإمامة : ص ۱۵۲ ح ۶۵ وكشف الغمّة : ج ۲ص ۹۴ .


حكم النّبيّ الأعظم ج4
352

أمّا المصاديق التي نعنيها، فهي:

أ ـ الإيثار في المال

يُومِئ التحليل النصوصي الذي جاء في هذا القسم إلى أنّ الدائرة الأوسع في استعمال كلمة «الإيثار» في القرآن والحديث وما يتّصل بهذه المفردة ويؤدّي معناها، إنّما ينصبّ على الإيثار المالي. ومردّ ذلك إلى أنّ الاحتياجات المالية هي أوسع احتياجات الإنسان وأكثرها ضرورة وإلحاحا.

ب ـ الإيثار في النفس

يفوق الإيثار بالنفس الإيثار بالمال ويتقدّم عليه في الأهمّية كثيرا ، فقليل من الناس على استعداد لتقديم حياة الآخرين وإيثارها على حياتهم ، ولا غرو فهذا الضرب من الإيثار يتمنّع بهِ ويتردّد فيه حتّى ملائكة كرام من وزن جبرئيل وميكائيل. ۱
في الحقيقة إنّ الإيثار بالنفس للّه سبحانه هو مرتبة الإنسان الكامل، وهذا ما يفسّر ثناء اللّه سبحانه لإيثار الإمام عليّ عليه السلام ليلة المبيت على الفراش وبذله نفسه ومباهاته سبحانه بهذا الموقف العلوي أمام الملائكة، حيث نزلت الآية الكريمة في هذه الواقعة:
«وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ»۲ . ۳

ج ـ الإيثار في الدعاء

من النقاط التربوية التي تتألّق في سيرة أهل البيت عليهم السلام تقديمهم الآخرين في الدعاء وإيثارهم لهم، فعن الإمام موسى الكاظم، عن آبائه عليهم السلام :

1.راجع : موسوعة ميزان الحكمة : ج ۱ ( الإيثار / الفصل الخامس : الأمثال العليا في الإيثار : ح ۶۶ و ۶۸) .

2.البقرة : ۲۰۷.

3.راجع : موسوعة ميزان الحكمة : ج ۱ ( الإيثار / الفصل الخامس : الأمثال العليا في الايثار : إيثار أهل البيت : إيثار يباهي به اللّه ) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج4
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 241172
الصفحه من 702
طباعه  ارسل الي