وإذا أخذنا بنظر الاعتبار هذا التوجيه الأساسيّ ـ وهو كون الزهد من جنود العقل ، وأنّه يخضع لأوامر القوّة العاقلة ـ يمكن تحصيل نقطتين هامّتين في بيان الزهد الإسلاميّ :
النقطة الاُولى : إنّ الزهد الذي يدعو إليه الإسلام يتضمّن أصلاً عقليّا ومبدأً علميّا ، لذلك فهو ينسجم مع العقل والمنطق مئة بالمئة ، فإذا كان الرسول الباطنيّ ـ وهو العقل ـ يدرك المقصود منه ، فإنّه يدعو الإنسان إليه قبل الرسول الظاهريّ.
النقطة الثانية : إنّ عدم الرغبة على نوعين:
1 . عدم الرغبة الطبيعيّة
ويراد بذلك أنّ الإنسان بطبعه يرغب عن بعض الأشياء ، كما يرغب المريض عن الطعام والشراب.
2 . عدم الرغبة القلبيّة
ويراد بذلك أنّ روح الإنسان ترغب عن بعض الأشياء مع أنّ طبعه يرغب فيه ويميل إليه، مَثَلُه مَثَل المريض الذي يحبُّ غذاءً معيّنا ، ولكن لعلمه أنّ في تناوله منه خطرا عليه فإنّه لا يشعر بالرغبة فيه وحسب بل ينفر قلبه منه .
ومع أخذ هذه المقدّمة بنظر الاعتبار يمكن القول : إنّ الزهد الإسلاميّ ليس بمعنى عدم الرغبة الطبيعيّة في الدنيا ؛ لأنّ عدم الرغبة الطبيعيّة في اللذائذ المادية ليس فضلاً ، بل هو في الواقع مرض ينبغي معالجته ، فالزهد الإسلاميّ هو عبارة عن عدم الرغبة القلبيّة في اللذائذ التي تسبّب الضرر للإنسان.
ولتوضيح هذا المطلب نقول : إنّ الإنسان يرغب أحيانا في عملٍ ما ، لكنّ عقله يردعه عن أدائه لما فيه من الضرر ، فيمتنع الإنسان منه مع رغبته القلبيّة فيه ، وهذا الفعل يسمّى الصبر ، والذي يستطيع أن يضبط نفسه أمام ما يشتهي يسمّى صابرا ؛