429
حكم النّبيّ الأعظم ج4

أمير المؤمنين عليه السلام النَّيّر :
إنَّمَا النّاسُ ثَلاثٌ : زاهِدٌ ، وراغِبٌ ، وصابِرٌ . فَأَمَّا الزّاهِدُ فَلا يَفرَحُ بِالدُّنيا إذا أتَتهُ ، ولا يَحزَنُ عَلَيها إذا فاتَتهُ ، وأمَّا الصّابِرُ فَيَتَمَنّاها بِقَلبِهِ ، فَإِن أدرَكَ مِنها شَيئا صَرَفَ عَنها نَفسَهُ لِعِلمِهِ بِسوءِ العاقِبَةِ ، وأمَّا الرّاغِبُ فَلا يُبالي مِن حِلٍّ أصابَها أم مِن حَرامٍ.۱

ثانيا ـ علامات الزهد

تعرّضت الروايات الإسلاميّة لبيان علامات الزهد والزهّاد ؛ وذلك للحيلولة دون ادّعاء البعض الزهادةَ وعدم الرغبة في الدُّنيا ، وكذلك لأجل تشخيص مدّعي الزهادة كذبا .
ومعرفة تلك العلامات لها أهمّيّة بالغة ، بحيث تحدّثت عنها جميع الروايات الواردة في الزهد ۲ ـ عدا واحدة منها ـ فقد عرّفت الزهد بحقيقته التي هي عدم الرغبة في الدنيا . ۳
ولعلّ أبسط علامات الزهد هي قلّة الاستهلاك ، حيث إنّنا لا يمكن أن نتصوّر إنسانا لا يشتهي طعاما معيّنا ـ مثلاً ـ ثمّ يأكل منه كثيرا . وقد تقدّم في المعنى اللغويّ للزهد أنّه يتضمّن معنى القلّة ، وبناءً على هذا فإنّ حقيقة الزهد وإن كانت عدم الرغبة النفسيّة ، لكنّها يجب أن تتجلّى في بساطة العيش ، والحياة الزاهدة ، وعدم الإسراف ، واجتناب مظاهر الترف ، ولا أقلّ من اجتناب المحرّمات .
وعلى هذا الأساس فإنّ الزهد لا يقتصر على الجانب الأخلاقيّ والنفسيّ فحسب ، بل يتضمّن الجانب العمليّ والسلوكيّ أيضا ، والزاهد هو الذي يُعرض عن

1.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الثالث/ الفصل الأوّل : تعريف الزهد وتحريفه : ح۸۰۵ ) .

2.راجع:الدنياوالآخره فيالكتاب والسنة:(القسم الثالث/الفصل الأوّل:تعريف الزهد وتحريفه:علامات الزهد).

3.راجع:الدنيا والآخرة فيالكتاب والسنة:(القسم الثالث/ الفصل الأوّل :تعريف الزهد وتحريفه :ضدّ الرغبة) .


حكم النّبيّ الأعظم ج4
428

لأنّه استطاع أن يقاوم رغباته الطبيعيّة وميوله القلبيّة ، وتلك فضيلة لا تُباهى ومكرمة لا تُضاهى ، قال أمير المؤمنين عليه السلام :
ما أحسَنَ بِالإِنسانِ أن يَصبِرَ عَمّا يَشتَهي .۱
ولمّا قال له رجلٌ : عظني يا أمير المؤمنين ، قال عليه السلام :

اُترُك لِما تَبقى ما تَشتَهي أبَداكَفى بِمَن عَفَّ عَمّا يَشتَهي كَرَما۲
لكن يجب الانتباه إلى أنّ مثل هذا الإنسان يمتنع عن رغباته بفضيلة الصبر وليس بفضيلة الزهد ؛ لأنّ الزهد درجة أعلى من الصبر ، إنّ الزهد عبارة عن غلبة عدم الرغبة القلبيّة في اللذائذ الضارّة على القلب بحيث تقع الرغبة الطبيعيّة تحت سيطرته ، فحينئذٍ لا يحتاج الزاهد في امتناعه عن اللذائذ الضارّة إلى الصبر والمقاومة ؛ لأنّه لا يشعر في وجوده بميل إليها ، ويشير أمير المؤمنين عليه السلام إلى هذه الفضيلة العظمى بقوله :
ما أحسَنَ بِالإِنسانِ ألّا يَشتَهِيَ ما لا يَنبَغي .۳
وحينما يصل الإنسان إلى هذه المرتبة العالية فإنّه يصبح زاهدا ، ولا يبالي بإقبال الدنيا أو إدبارها ، فلا يفرح بإقبالها ولا يحزن على إدبارها ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام في بيان صفة الزهد :
الزُّهدُ كُلُّهُ بَينَ كَلِمَتَينِ مِنَ القُرآنِ ، قالَ اللّهُ سُبحانَهُ :«لِكَيْلَا تَأْسَوْاْ عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُواْ بِمَا ءَاتَاكُمْ».۴
وما قدّمناه في بيان الزهد وفرقه عن الصبر ، تجد خلاصته في قول

1.غرر الحكم : ح ۹۶۴۸ ، عيون الحكم والمواعظ : ۴۷۹ .

2.شرح الأخبار : ج۲ ص۳۸۲ ح۷۴۱ .

3.غرر الحكم : ح۹۶۴۹ ، عيون الحكم والمواعظ : ص ۴۷۹ ح ۸۸۰۶ وفيه «أجمل» بدل «أحسن» .

4.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الثالث/ الفصل الأوّل : تعريف الزهد وتحريفه : ح۸۰۳ ) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج4
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 247857
الصفحه من 702
طباعه  ارسل الي