الدنيا المذمومة نفسيّا إلى جانب إعراضه العمليّ.
ثالثا ـ مراتب الزهد
أشرنا إلى أنّ أدنى مراتب الزهد هو عدم الرغبة النفسيّة مع الاجتناب عن المحرّمات ، أمّا أعلى درجاته فهي النقطة التي تنزاح معها حجب المعرفة بشكل تامّ من أمام نظر القلب ، ويصل فيها السالك إلى مرتبة اليقين ، وبالوصول إلى هذه المرتبة ينكشف للزاهد باطن الدنيا المذمومة وحقيقة غرورها ، وعندها لا يرغب عن الدنيا وحسب ، بل ينفر منها ويبغضها ، كما جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام في وصفه لرسول اللّه صلى الله عليه و آله :
عُرِضَت عَلَيهِ الدُّنيا فَأَبى أن يَقبَلَها ، وعَلِمَ أنَّ اللّهَ أبغَضَ شَيئا فَأَبغَضَهُ .۱
وبيّن عليه السلام نفرته من الدنيا المذمومة في كثيرٍ من أحاديثه ، منها قوله :
أمَرُّ عَلى فُؤادي مِن حَنظَلَةٍ يَلوكُها ذو سُقمٍ .۲
وقوله :
أهوَنُ في عَيني مِن عُراقِ خِنزيرٍ في يَدِ مَجذومٍ .۳
رابعا ـ الفرق بين الزهد الإسلاميّ والرهبانيّة المسيحيّة
عرفنا أنّ للزهد الإسلاميّ بُعدا باطنيّا وبُعدا ظاهريّا ، وأنّ الزاهد يشعر في داخله بعدم الرغبة في الدنيا ، ويظهر ذلك في الخارج أيضا ، وهنا قد يُطرح سؤال : على ضوء هذا التعريف للزهد الإسلامي ، ما الفرق بينه وبين الرهبانيّة المسيحيّة؟ ولماذا تنهى الروايات والأخبار بشدّة عن الرهبانيّة؟ ۴
1.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الثالث / الفصل السادس : أماثل الزهاد : ح ۱۱۶۵ ) .
2.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الثاني / الفصل الثاني : تقويم الدنيا : ح ۵۱۱ ) .
3.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الثاني / الفصل الثاني : تقويم الدنيا : ح ۵۱۰ ) .
4.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الأوّل / الفصل الثاني : أهميّة الدنيا ودورها في بناء ف الآخرة : النهي عن الترهّب وتحريم ما أحلّ اللّه ) .