خامسا ـ فلسفة الزهد
إنّ للزهد الإسلاميّ في جميع مجالات الحياة الفرديّة والاجتماعيّة دورا إيجابيّا بنّاءً ، لذا جاء المزيد من التأكيد في الأحاديث الإسلاميّة للتحلّي به إلى الحدّ الذي اعتبرت هذه الخصلة أجمل زينة للإنسان عند اللّه سبحانه. ۱
فالزهد في مجال المعرفة يُبعد آفات المعرفة عن الإنسان ، ويريه مفاسد الدنيا المذمومة وقبائحها ، عن طريق رفع الحجب عن نظر القلب والعقل ، كما يوفّر الأرضيّة اللازمة للوصول إلى الحكمة الحقيقيّة ونور العلم الذي ينبع من باطن الروح ، وفي أعلى مراتبه يربط الزاهد بعالَم الملكوت ، فيطّلع على أسرار الوجود ۲ .
والزهد في مجال التكامل المعنوي يهيّئ الفرصة المناسبة لبناء النفس ، فيخلّص الروح من عبوديّة الهوى والهوس ، ويحبّب إليها الإيمان والعبادة ، ويقرّب الإنسان من خالقه ، وأخيرا يعرج به إلى ذِرْوة التكامل الإنسانيّ ۳ .
ولا يقتصر دور الزهد على مجال المعرفة والتكامل المعنوي وحسب ، بل إنّ اطمئنان النفس واستقرار الحياة المادية رهن بالزهد أيضا ، والزهد يسهّل مشاكل الحياة ، ويمنحُ العزّة للإنسان ، ويجعل الدنيا في خدمته ۴ .
كما لا يقتصر دوره على مجال الحياة الفرديّة ، بل يمتدّ إلى المجالات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة ؛ إذ أنّ ثقافة الزهد تُحرق كلَّ جذور الظلم والاعتداء على حقوق الآخرين ، وتهيّئ الأرضيّة المناسبة للمواساة والإيثار ، وفي مقابل ذلك
1.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الثالث / الفصل الثاني : فضل الزهد : قيمة الزهد : أحسن زينة ) .
2.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الثالث / الفصل الثالث : بركات الزهد : كمال المعرفة ) .
3.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الثالث / الفصل الثالث : بركات الزهد : صلاح النفس ، حلاوة الإيمان ، صلاح الدين ) .
4.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الثالث / الفصل الثالث : بركات الزهد : رفاه العيش ) .