433
حكم النّبيّ الأعظم ج4

خامسا ـ فلسفة الزهد

إنّ للزهد الإسلاميّ في جميع مجالات الحياة الفرديّة والاجتماعيّة دورا إيجابيّا بنّاءً ، لذا جاء المزيد من التأكيد في الأحاديث الإسلاميّة للتحلّي به إلى الحدّ الذي اعتبرت هذه الخصلة أجمل زينة للإنسان عند اللّه سبحانه. ۱
فالزهد في مجال المعرفة يُبعد آفات المعرفة عن الإنسان ، ويريه مفاسد الدنيا المذمومة وقبائحها ، عن طريق رفع الحجب عن نظر القلب والعقل ، كما يوفّر الأرضيّة اللازمة للوصول إلى الحكمة الحقيقيّة ونور العلم الذي ينبع من باطن الروح ، وفي أعلى مراتبه يربط الزاهد بعالَم الملكوت ، فيطّلع على أسرار الوجود ۲ .
والزهد في مجال التكامل المعنوي يهيّئ الفرصة المناسبة لبناء النفس ، فيخلّص الروح من عبوديّة الهوى والهوس ، ويحبّب إليها الإيمان والعبادة ، ويقرّب الإنسان من خالقه ، وأخيرا يعرج به إلى ذِرْوة التكامل الإنسانيّ ۳ .
ولا يقتصر دور الزهد على مجال المعرفة والتكامل المعنوي وحسب ، بل إنّ اطمئنان النفس واستقرار الحياة المادية رهن بالزهد أيضا ، والزهد يسهّل مشاكل الحياة ، ويمنحُ العزّة للإنسان ، ويجعل الدنيا في خدمته ۴ .
كما لا يقتصر دوره على مجال الحياة الفرديّة ، بل يمتدّ إلى المجالات السياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة ؛ إذ أنّ ثقافة الزهد تُحرق كلَّ جذور الظلم والاعتداء على حقوق الآخرين ، وتهيّئ الأرضيّة المناسبة للمواساة والإيثار ، وفي مقابل ذلك

1.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الثالث / الفصل الثاني : فضل الزهد : قيمة الزهد : أحسن زينة ) .

2.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الثالث / الفصل الثالث : بركات الزهد : كمال المعرفة ) .

3.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الثالث / الفصل الثالث : بركات الزهد : صلاح النفس ، حلاوة الإيمان ، صلاح الدين ) .

4.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الثالث / الفصل الثالث : بركات الزهد : رفاه العيش ) .


حكم النّبيّ الأعظم ج4
432

الدنيا لا يُستثنى من هذه القاعدة ، لذلك يقول أمير المؤمنين عليه السلام :
لا تَزهَدَنَّ في شَيءٍ حَتّى تَعرِفَهُ .۱
وعلى هذا الأساس ، فإنّ أئمّة الإسلام مع تحذيرهم الشديد من حبّ الدنيا ، فإنّهم يقفون بوجه كلّ من يذمّ الدنيا دون علم ومعرفة ويدعو الآخرين إلى الزهد فيها ، ويواجهونه بشدّة ۲ .
وبعبارة أكثر وضوحا : إنّ الإسلام دين الدنيا والآخرة ، وهو يَضمَنُ للناس المنافع الماديّة والمعنويّة في الحياة الدنيا والآخرة ، يقول أمير المؤمنين عليه السلام في تصوير الخصال المطلوبة التي يدعو الإسلام الناس إليها :
اِعلَموا عِبادَ اللّهِ أنَّ المُتَّقينَ حازوا عاجِلَ الخَيرِ وآجِلَهُ ، شارَكوا أهلَ الدُّنيا في دُنياهُم ، ولَم يُشارِكهُم أهلُ الدُّنيا في آخِرَتِهِم .. . سَكَنُوا الدُّنيا بِأَفضَلِ ما سُكِنَت ، وأكَلوها بِأَفضَلِ ما اُكِلَت .. . أصابوا لَذَّةَ الدُّنيا مَعَ أهلِ الدُّنيا ، وهُم غَدا جيرانُ اللّهِ ... .۳
وعلى هذا الأساس ، ففي الإسلام الواقعي ـ على خلاف المسيحيّة المحرّفة ـ ليس ثمّة تضادّ بين الدنيا والآخرة ، بل إنّ التأمّل في تعاليم الإسلام يقود إلى حقيقة جليّة وهي أنّ من خصائص هذه الشريعة أنّ المادية تنبع من باطن المعنويّة ، والمعنويّة من باطن المادية ، والزهد الإسلاميّ يتجسّد مفهومه حيثما تكون اللذائذ المادية ضارّة للفرد أو للمجتمع أو لكليهما.

1.غرر الحكم : ح ۱۰۱۶۸ ، عيون الحكم والمواعظ : ص۵۲۰ ح۹۴۴۸ .

2.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الأوّل / الفصل الثاني : أهميّة الدنيا ودورها في بناء الآخرة : النهي عن سبّ الدنيا وذمّها ) .

3.راجع : الدنيا والآخرة في الكتاب والسنة : ( القسم الأوّل / الفصل الثاني : أهمية الدنيا ودورها في بناء الآخرة : ح ۱۴۲ ) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج4
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 247600
الصفحه من 702
طباعه  ارسل الي