تقتصر على انحطاط الأخلاق فحسب، بل تجرّ إلى الفساد الاجتماعي والسياسي ، وبالتالي سقوط الدول وانهيار الحكومات. نقرأ في الحِكَم المنسوبة للإمام عليّ عليه السلام :
الاِستِئثارُ يوجِبُ الحَسَدَ ، وَالحَسَدُ يوجِبُ البِغضَةَ ، والبِغضَةُ توجِبُ الاِختِلافَ ، وَالاِختِلافُ يوجِبُ الفُرقَةَ، وَالفُرقَةُ توجِبُ الضَّعفَ، وَالضَّعفُ يوجِبُ الذُّلَّ ، وَالذُّلُّ يوجِبُ زَوالَ الدَّولَةِ وذَهابَ النِّعمَةِ۱.
تنتهي عملية دراسة تاريخ الإسلام وتحليله على نحو دقيق، وكذلك تقصّي علل انحطاط الاُمّة الإسلامية وعوامل اُفول نجمها إلى أنّ استئثار عدد من الحكّام وأثَرتهم وفرديتهم، أدّى إلى إلحاق أضرار ماحقة بحركة هذا الدين وقلّصت من نفوذه وامتداده.
4 . مواجهة الاستئثار
لقد بذل رسول اللّه صلى الله عليه و آله في عهد نبوّته والإمام عليّ عليه السلام إبّان حُكمه، قصارى جهودهما للحؤول دون بروز الاستئثار والفردية والاستبداد بين قادة النظام الإسلامي الجديد، وبذلا ما بوسعهما لوأد هذه الخصلة الخطيرة المدمّرة، حتى بلغ من حرص نبيّ اللّه صلى الله عليه و آله على محاصرة هذه الآفة الخطيرة، أنّه كان يتحرّز من كلّ ما يمتّ إليها بصلة وينأى بنفسه عن أدنى تصرّف يمكن أن تفوح منه رائحة هذه الخصلة الذميمة، بحيث لم يكن يسمح لأحد أن يتصرّف بطريقة يقدّمه على نفسه في شيء.
من الأمثلة البليغة الدالّة على سعي النبيّ لمكافحة هذه الآفة واجتثاث أدنى ما يمكن أن يمتّ إليها بصلة، رفض النبيّ صلى الله عليه و آله أن يتناول من رجل شسعا من نعله قدّمه إليه ، بعد أن انقطع شِسْعُهُ صلى الله عليه و آله وهو يطوف بالبيت، قائلاً في جوابه:
هذه أثَرَة، ولا أقبل أثَرَةً۲.