587
حكم النّبيّ الأعظم ج4

تقتصر على انحطاط الأخلاق فحسب، بل تجرّ إلى الفساد الاجتماعي والسياسي ، وبالتالي سقوط الدول وانهيار الحكومات. نقرأ في الحِكَم المنسوبة للإمام عليّ عليه السلام :
الاِستِئثارُ يوجِبُ الحَسَدَ ، وَالحَسَدُ يوجِبُ البِغضَةَ ، والبِغضَةُ توجِبُ الاِختِلافَ ، وَالاِختِلافُ يوجِبُ الفُرقَةَ، وَالفُرقَةُ توجِبُ الضَّعفَ، وَالضَّعفُ يوجِبُ الذُّلَّ ، وَالذُّلُّ يوجِبُ زَوالَ الدَّولَةِ وذَهابَ النِّعمَةِ۱.
تنتهي عملية دراسة تاريخ الإسلام وتحليله على نحو دقيق، وكذلك تقصّي علل انحطاط الاُمّة الإسلامية وعوامل اُفول نجمها إلى أنّ استئثار عدد من الحكّام وأثَرتهم وفرديتهم، أدّى إلى إلحاق أضرار ماحقة بحركة هذا الدين وقلّصت من نفوذه وامتداده.

4 . مواجهة الاستئثار

لقد بذل رسول اللّه صلى الله عليه و آله في عهد نبوّته والإمام عليّ عليه السلام إبّان حُكمه، قصارى جهودهما للحؤول دون بروز الاستئثار والفردية والاستبداد بين قادة النظام الإسلامي الجديد، وبذلا ما بوسعهما لوأد هذه الخصلة الخطيرة المدمّرة، حتى بلغ من حرص نبيّ اللّه صلى الله عليه و آله على محاصرة هذه الآفة الخطيرة، أنّه كان يتحرّز من كلّ ما يمتّ إليها بصلة وينأى بنفسه عن أدنى تصرّف يمكن أن تفوح منه رائحة هذه الخصلة الذميمة، بحيث لم يكن يسمح لأحد أن يتصرّف بطريقة يقدّمه على نفسه في شيء.
من الأمثلة البليغة الدالّة على سعي النبيّ لمكافحة هذه الآفة واجتثاث أدنى ما يمكن أن يمتّ إليها بصلة، رفض النبيّ صلى الله عليه و آله أن يتناول من رجل شسعا من نعله قدّمه إليه ، بعد أن انقطع شِسْعُهُ صلى الله عليه و آله وهو يطوف بالبيت، قائلاً في جوابه:
هذه أثَرَة، ولا أقبل أثَرَةً۲.

1.شرح نهج البلاغة : ج ۲۰ ص ۳۴۵ ح ۹۶۱ .

2.المعجم الأوسط : ج ۳ ص ۱۷۴ .


حكم النّبيّ الأعظم ج4
586

بيد أنّ هذا القدر في تحليل مناشئ الظاهرة وأسبابها لا يعدّ كافيا، تماما كما سبق أن ذكرنا ذلك في تحليل مناشئ الإيثار، إذ ينبغي للتحليل أن يتوغّل أكثر ليكشف هذه المرّة عن مناشئ الحرص ولماذا يميل الإنسان إلى عدم الاهتمام بحقوق الناس، والاستخفاف بمكارم الأخلاق ؟
إنّ الأصل العميق الذي ترجع إليه جذور ظاهرة الاستئثار وأسبابه، يتمثّل بالأنانية وغياب الإيمان أو ضعفه، فإذا عجز الإيمان عن استيعاب الغرور والأنانية الذاتية عند الإنسان ولم ينجح بهضمها وتوجيهها ، فمن الطبيعي أن يتمخّض ذلك عن إنسان أناني مغرور، لا يعيش إلّا ذاته ولا يفكّر سوى بالاستحواذ على كلّ شيء والانفراد به لنفسه وذويه وقرابته ومن يرتبط به، وبتعبير الإمام عليّ عليه السلام :
مَن مَلَكَ استَأثَرَ .۱
هذا التعليل هو الذي يفسّر مآلات التيارات المادّية ومصيرها، فمهما كانت العناوين التي ترفعها هذه التيارات والشعارات التي تلوّح بها في مضمار تأمين الحرّيات وضمان حقوق الناس، فإنّ المصير الذي تنتهي إليه عند تسلّم السلطة هو الاستئثار والفردية.
على ضوء هذه الحصيلة يمكن القول بأنّ جميع ضروب الاستئثار والفردية التي برزت في التاريخ الإسلامي ممّا كان النبيّ صلى الله عليه و آله قد تنبّأ به وأخبر عن وقوعه؛ قد اكتسبت في مضمونها هوية مادّية ومنحىً مناهضا للدين، برغم شعاراتها الدينية وتواريها خلف اسم الدين .

3 . خطر الاستئثار

يعدّ الاستئثار من أخطر الخصال التي تفتك بالقيم وتدمّرها، فتبعاته المخرّبة لا

1.نهج البلاغة: الحكمة ۱۶۰ ، بحار الأنوار: ج ۱۳ ص ۳۵۷ ح ۶۲ ؛ شُعب الإيمان: ج ۲ ص ۳۱۱ ح ۱۹۱۰.

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج4
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 243703
الصفحه من 702
طباعه  ارسل الي