عندما ننتقل إلى حياة أهل بيت رسول اللّه ـ صلوات اللّه عليه وعليهم ـ ، نجدها تتألّق بسيرة لا ترفض الاستئثار والفردية وتصرّ على اجتنابهما فحسب، بل تسجّل إيثارهم بحقوقهم الخاصّة أيضا.
من هنا يبدو أنّ دراسة السيرة العملية لهؤلاء الكرام والتعرّف عليها في مجال مكافحة الاستئثار وإيثار الآخرين مهمّة تربوية عاجلة حافلة بالعظات والعبر خاصّة للقادة والحاكمين.
لكن وا أسفاه! فقد تنكّب قادة الاُمّة الإسلامية عن هذا الصراط السويّ ولم يتّبعوا سيرة هؤلاء الكرام ولم يقتفوا منهاجهم، فكان المآل كما أخبر النبيّ صلى الله عليه و آله وتنبّأ به إذ ابتُلي هؤلاء بالاستئثار، ونزل بالإسلام والمسلمين ما نزل بهما في وقائع التاريخ الفجيع !
5 . تقويم أحاديث الصبر على الاستئثار
تضمّن الفصل الرابع من هذا القسم أحاديث أخبر فيها النبيّ صلى الله عليه و آله عن وقوع آفة الاستئثار وظهورها في الاُمّة الإسلامية، وقد نَسبت هذه الأحاديث إلى النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه أمر الناس أن يصبروا لما يصيبهم من أثَرَة الاُمراء وأنّه لا يحقّ لهم الاعتراض على استبداد هؤلاء الحكّام وأثَرتهم، وإنّما عليهم الإذعان والصبر حتّى يوم القيامة!
ما توفّرنا على ذكره في هذا الفصل لا يزيد على أنّه نموذج لهذا النمط من الروايات فحسب، ومن يروم الاطّلاع على كلّ ما جاء بهذا الشأن فبمقدوره أن يراجعها في المصادر التي أشرنا إليها في الهوامش.
إنّ عملية تحليل هذه الأحاديث ونقدها وتقويمها تتطلّب المكوث عند نقاط كثيرة جديرة بالبحث والتأمّل، الأمر الذي يجعل عملية التقويم الكامل والاستيفاء النقدي الشامل لهذه الأحاديث رهنا بفرصة سانحة لا مجال لها هنا، وإنّما نكتفي هنا بالإشارة إلى عدد من النقاط المهمّة نذكرها كما يلي :