589
حكم النّبيّ الأعظم ج4

أ ـ فصل الدين عن السياسة

ممّا لا ريب فيه أنّ مقتضى الإذعان إلى الأحاديث التي تأمر المسلمين بالصبر على أثرة الحكّام والتسليم لظلمهم والانقياد لما يبرز منهم من استغلال وتغييب للعدالة، هو فصل الدين عن السياسة ، لهذا تجد أنّ المحدّثين والفقهاء والذين آمنوا بهذه الأحاديث أفتوا بعدم جواز خروج المسلمين على حكّامهم مهما بلغ هؤلاء الحكّام من الإجحاف والظلم، وأنّه لا يحقّ لهم الاعتراض عليهم مهما بلغ الحال، ويحرم عليهم كسر إسار الطاعة لهؤلاء الحكّام وإن جاروا، وفيما يلي نقدّم عددا من الأمثلة التي تعكس هذا النمط من فتاوى هؤلاء وآرائهم:
تولى المحدّث المعروف مسلم بن الحجّاج النيشابوري، جمع الأحاديث المذكورة في عدد من أبواب الإمارة من صحيحه. وفيما يلي عناوين هذه الأبواب ـ بأرقامها في صحيحه ـ التي تعكس خلاصة فهمه وتمثّل في حقيقتها فتواه على هذا الصعيد :
(11) باب الأمر بالصبر عند ظلم الولاة واستئثارهم.
(12) باب في طاعة الاُمراء وإن منعوا الحقوق.
(13) باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن، وفي كلّ حال، وتحريم الخروج على الطاعة ومفارقة الجماعة. ۱
وعلى سبيل هذه الروايات أفتوا الشافعي والمالك وأحمد بن حنبل ، بوجوب الصبر على جور الحاكم .
وأفتى أحمد بن حنبل :
لا يخرج على الاُمراء بالسيف وإن جاروا . ۲

1.صحيح مسلم: ج ۳ ص ۱۴۷۴ و ۱۴۷۵.

2.تاريخ المذاهب الإسلامية : ص ۹۰ .


حكم النّبيّ الأعظم ج4
588

عندما ننتقل إلى حياة أهل بيت رسول اللّه ـ صلوات اللّه عليه وعليهم ـ ، نجدها تتألّق بسيرة لا ترفض الاستئثار والفردية وتصرّ على اجتنابهما فحسب، بل تسجّل إيثارهم بحقوقهم الخاصّة أيضا.
من هنا يبدو أنّ دراسة السيرة العملية لهؤلاء الكرام والتعرّف عليها في مجال مكافحة الاستئثار وإيثار الآخرين مهمّة تربوية عاجلة حافلة بالعظات والعبر خاصّة للقادة والحاكمين.
لكن وا أسفاه! فقد تنكّب قادة الاُمّة الإسلامية عن هذا الصراط السويّ ولم يتّبعوا سيرة هؤلاء الكرام ولم يقتفوا منهاجهم، فكان المآل كما أخبر النبيّ صلى الله عليه و آله وتنبّأ به إذ ابتُلي هؤلاء بالاستئثار، ونزل بالإسلام والمسلمين ما نزل بهما في وقائع التاريخ الفجيع !

5 . تقويم أحاديث الصبر على الاستئثار

تضمّن الفصل الرابع من هذا القسم أحاديث أخبر فيها النبيّ صلى الله عليه و آله عن وقوع آفة الاستئثار وظهورها في الاُمّة الإسلامية، وقد نَسبت هذه الأحاديث إلى النبيّ صلى الله عليه و آله أنّه أمر الناس أن يصبروا لما يصيبهم من أثَرَة الاُمراء وأنّه لا يحقّ لهم الاعتراض على استبداد هؤلاء الحكّام وأثَرتهم، وإنّما عليهم الإذعان والصبر حتّى يوم القيامة!
ما توفّرنا على ذكره في هذا الفصل لا يزيد على أنّه نموذج لهذا النمط من الروايات فحسب، ومن يروم الاطّلاع على كلّ ما جاء بهذا الشأن فبمقدوره أن يراجعها في المصادر التي أشرنا إليها في الهوامش.
إنّ عملية تحليل هذه الأحاديث ونقدها وتقويمها تتطلّب المكوث عند نقاط كثيرة جديرة بالبحث والتأمّل، الأمر الذي يجعل عملية التقويم الكامل والاستيفاء النقدي الشامل لهذه الأحاديث رهنا بفرصة سانحة لا مجال لها هنا، وإنّما نكتفي هنا بالإشارة إلى عدد من النقاط المهمّة نذكرها كما يلي :

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج4
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 247885
الصفحه من 702
طباعه  ارسل الي