93
حكم النّبيّ الأعظم ج4

المجموعة من الناس ب «العاقل» و «المتعلّم على سبيل النجاة» .
وهذه المجموعة هي المخاطب الأصلي للإعلام الإسلامي ، ولجميع جهود الأنبياء . وكلمة «المتّقين» الواردة في الآية الثانية من سورة البقرة «ذَ لِكَ الْـكِتَـبُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ» تشير إلى هذه المجموعة . والشابّ بما أنّه في مقتبل حياته ولم تتدنّس فطرته الإنسانيّة ، فهو أكثر تقبّلاً للإعلام البنّاء الهادف ؛ ولهذا السبب يشكّل الشباب الصفّ المتقدّم بين مخاطَبي الأنبياء . وقد أكّدت الأحاديث الشريفة على المبلّغين أن يعيروا أهمّية خاصّة للشباب . ۱
المجموعة الثانية : هم الذين دنّسوا فطرتهم الإنسانيّة بالرذائل ولا يتّصفون بالتقوى العقليّة ، إلّا أنّ تلوّثهم بدنس المعاصي لم يصل إلى مرحلة خطيرة يستعصي عندها العلاج .
وهذه المجموعة من المخاطبين مصابة ـ من وجهة نظر الأنبياء ـ بمرض حُجُب المعرفة ؛ بيد أنّ مرضهم هذا قابل للمعالجة والشفاء . وهذه الحالة توجب على المبلّغ ـ انطلاقا من المسؤوليّة الملقاة على عاتقه من قبل اللّه تعالى ـ أن يكون كالطبيب الحاذق الذي يتجوّل بحثا عن مرضاه ؛ ليقتلع من قلوبهم وأذهانهم موانع المعرفة من خلال خطّة متقَنة يستخدم فيها اُسلوب اللِّين تارة واُسلوب الشدّة تارة اُخرى ؛ لينقلهم بذلك من مخاطبي المجموعة الثانية إلى حيّز مخاطبي المجموعة الاُولى . وقد وصف الإمام علي عليه السلام الرسول صلى الله عليه و آله بأنّه كان يتقن هذا النمط من فنّ التبليغ بقوله :
«طَبيبٌ يُداوِي النّاسَ بِطِبِّهِ ، قَد أحكَمَ مَراهِمَهُ ، وأحمى مَواسِمَهُ ، يَضَعُ ذلِكَ حَيثُ الحاجَةُ إلَيهِ مِن قُلوبٍ عُميٍ ، وآذانٍ صُمٍّ ، وألسِنَةٍ بُكمٍ ، مُتَتَبِّعٌ بِدَوائِهِ مَواضِعَ

1.راجع : التبليغ في الكتاب والسنة : ( الفصل الرابع : خصائص المبلغ / معرفة الناس : ح ۱۸۳ ) .


حكم النّبيّ الأعظم ج4
92

ما يخصّ معرفة المخاطب هي التفاوت القائم بين الناس في القابليّة والاستيعاب الطبيعي والاكتسابي ، ومدى استجابتهم للتبليغ المفيد والبنّاء . وإذا أخذنا هذا التفاوت بنظر الاعتبار ، نفهم أنّه ليس كلّ كلام يفيد أيّ شخص ؛ فقد يكون ثمّة نمط من التبليغ مفيدا لفرد أو جماعة ما ؛ ولكنّه غير مفيد لفرد آخر أو جماعة اُخرى ، بل ربّما كان مضرّا لهم . ومن هنا كان الأنبياء يؤمَرون بأخذ المقدرة الفكريّة والنفسيّة للناس بنظر الاعتبار . ۱

الاختلاف في القابليّات الطبيعيّة

يختلف الناس ـ من وجهة نظر الأحاديث الشريفة ۲ ـ في قدراتهم الذاتيّة كاختلاف معادن الأرض ؛ فبعضهم كالذهب يتّصف بقدرة عالية ؛ وبعضهم الآخر كالفضّة . . وهكذا . وكما أنّ أنواع المعادن مفيدة للناس إلّا أنّ استثمارها يتطلّب معرفة وتخطيطا ، فكذلك أنواع القابليّات الفطريّة للناس مفيدة لإدارة المجتمع الإنساني ، إلّا أنّ كيفيّة استثمارها تستلزم معرفة صحيحة وبرمجة دقيقة لها .

الاختلاف في القابليّات الاكتسابيّة

تختلف قابليّات الناس الاكتسابيّة كاختلاف قابليّاتهم الذاتيّة . وقد قسّمت النصوص الإسلاميّة ، بشكل عامّ ، الناس من حيث مدى تأثّرهم بالتبليغ البنّاء إلى ثلاث مجموعات :
المجموعة الاُولى : هم الذين لم يدنّسوا فطرتهم الإنسانيّة النقيّة بالأعمال القبيحة ، وخاصّة الظلم . فهؤلاء لديهم تقوى عقليّة ، ويتّصفون بقابليّة مناسبة على قبول التبليغ المفيد والبنّاء . وقد وصفت الأحاديث الشريفة كلّ واحد من أفراد هذه

1.راجع : التبليغ في الكتاب والسنة : ( الفصل السادس : آداب التبليغ / مراعاة طاقة المخاطب ) .

2.راجع : التبليغ في الكتاب والسنة : ( الفصل الرابع : خصائص المبلغ / معرفة الناس : ح ۱۸۰ و ۱۸۴ ) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج4
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 243696
الصفحه من 702
طباعه  ارسل الي