429
حكم النّبيّ الأعظم ج3

والبركة والازدهار المادّي لا يعني في الرؤية الكونية الإسلاميّة نفي الأسباب والعلل المادّية أو التقليل من أهمّيتها في تحقيق التنمية ، بل يعني أنّ الإسلام يؤمن ـ بالإضافة إلى الأسباب والشروط والعناصر المادّية المعروفة في التنمية ـ بعوامل اُخرى غير مرئية يعتقد أنّ لها أثرها في هذا المسار . فالإسلام يؤمن بأنّ للمعتقدات الدينيّة الصحيحة والأخلاق الحسنة والأعمال الصالحة دورها أيضا في تحقيق الازدهار والنموّ الاقتصادي للمجتمع .
فالقرآن الكريم يسجّل صراحةً :
«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـتٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَالأَْرْضِ» . ۱
كما يسجّل في آية اُخرى أيضا :
«فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ السَّمَآءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَ يُمْدِدْكُم بِأَمْوَ لٍ وَ بَنِينَ وَ يَجْعَل لَّكُمْ جَنَّـتٍ وَ يَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَـرًا » . ۲
علاوة على مرّ ، فإنّ عملية الازدهار والتنمية المستديمة للمجتمع الإنساني تقترن بدورها بالقيم الاعتقادية والأخلاقية والعملية ، ومن دون هذا الاقتران لن تدوم البركات المادّية أيضا. ۳

انبثاق البركات المعنويّة من صلب البركات المادّية

من النقاط الاُخرى التي تتّسم بأهميّة فائقة أنّ الرؤية الإسلاميّة لا تكتفي بما للقيم المعنويّة من تأثير في البركات المادّية وما لها من أثر تتركه في التنمية الاقتصادية

1.الأعراف : ۹۶ .

2.نوح : ۱۰ ـ ۱۲ .

3.لمعرفة المزيد عن موانع البَرَكة وآفات التنمية والازدهار ، راجع : الخير والبركة في الكتاب والسنة : (القسم الثاني / الفصل الثالث) . وأيضا : التنمية الإقتصادية في الكتاب والسنة : (القسم الخامس : آفات التنمية) .


حكم النّبيّ الأعظم ج3
428

عملية دراسة هذه النصوص وتحليلها.

مبدأ جميع البركات

تمّ التركيز في الفصل الأوّل من هذا القسم على أنّ اللّه سبحانه هو مبدأ جميع الخيرات والبركات في نظام التكوين ، وأنّه ما من مخلوق إلّا وهو يحظى من البركات الإلهية على قدْر استعداده وسعته الوجودية ، سواء عَلِم بذلك أم لم يعلم ، وسواء أراد أم لم يُرد .

علل البركة وأسبابها

يعدّ الفصل الثاني أوسع فصول هذا القسم ، ومن ثمّ فقد استوعب أكبر عدد من الآيات والأحاديث التي تدور حول البركة . وقد تناول هذا الفصل العلل المادّية والمعنوية ل «البركة» ولتداوم «الخَير» ونموّه وتراكمه في مختلف الأبعاد والمجالات ، حيث برزت على هذا الصعيد مجموعة من النقاط التي تستحقّ التأمّل ، هي :

تجاور العلل المادّية والعوامل المعنويّة

إنّ النقطة الاُولى التي تلفت النظر في بحث أسباب البركة ودواعيها من منظور الرؤية القرآنيّة والحديثيّة ؛ هي التجاور الذي يبرز في النصوص الإسلاميّة بين العوامل المعنويّة للبركة ، والأسبابِ والعلل المادّية لها . فمن جهة تتحدّث هذه النصوص عن التقوى ، والعبادة ، والطهارة ، والدعاء ، والصلاة ، والحج ، والاستغفار ، وأمثال ذلك بوصفها مبادئ للبركة والنموّ في الحياة ، ومن جهة اُخرى تراها تُعلن عن الرعي وتربية الحيوانات ، والزراعة ، والتجارة ، والعمل باعتبارها رصيدا للبركة ، وعناصر في تحقّق الخير ونموّه وازدهاره . والمعنى الذي يبرز من ثنايا هذا التجاور والجمع بين المعنوي والمادّي في إطار مركّب واحد ؛ أنّ الإيمان بتأثير المعنويّات في الخير

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج3
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 168133
الصفحه من 676
طباعه  ارسل الي