431
حكم النّبيّ الأعظم ج3

باتجاه بناء الإنسان ، وأنّها تساهم في ظهور البركات المادّية والمعنوية بعضا إلى جوار بعض .

دور نظام التكوين في تكامل الإنسان

إنّ التأمّل في ما جاء في القسمين الأوّل والثاني من هذه المجموعة تحت عنوان «أسباب الخير» و «أسباب البركة» ، يشير إلى أنّ خالق الوجود قد أودع في نظام التكوين جميع إمكانات التكامل المادّي والمعنوي ومتطلّباتهما من الداخل والخارج ؛ من أجل تكامل الإنسان ، وأنّه قد أسبغ عليه نعمه ظاهرة وباطنة .
على أنّ ما يتداعى من الآية الكريمة : «أَلَمْ تَرَوْاْ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى السَّمَـوَ تِ وَ مَا فِى الْأَرْضِ وَ أَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَـهِرَةً وَ بَاطِنَةً»۱ ، أنّ الإنسان وُهب من الداخل (الباطن) العقل والفطرة والقُوى الباطنية ، وزُوّد من الخارج بالوحي الذي جاء مُعينا للعقل والفطرة ، وأنّ نظام التكوين سخّر للإنسان ما في السماء والأرض لكي يقطع المسار الذي حدّدته «الفطرة» و«العقل» و«الوحي» له ، وليستفيد من بركات ذلك كلّه ، ويوظّفه لتحقيق تكامله وبلوغ مقصد الإنسانية والكمال المطلق ولقاء اللّه جلّ جلاله.
يتّضح ممّا مرّ أنّ جميع القيم الاعتقادية والأخلاقية والعملية ، وكل ما هو مسخّر للإنسان في الأرض والسماء ، ينطوي على «الخير» و«البركة» . وإذا ما جاء في النصوص الإسلامية ما يصف عددا من ضروب الأخلاق والأعمال الصالحة بأنّها خير ، وإذا ما سجّلت تلك النصوص بأنّ بعض الأمكنة والأزمنة والحيوانات والنباتات والأطعمة والأشربة تتّسم بالبركة ، فإنّ ذلك كلّه لا يعني نفي البركة عمّا

1.لقمان : ۲۰ .


حكم النّبيّ الأعظم ج3
430

المستديمة وحسب ، بل ترى أنّ عكس هذه القضية صادق أيضا ؛ بمعنى أنّ البركات المادّية حين تتفتّح في نطاق التعاليم الإسلاميّة تقود إلى تقوية القيم المعنويّة وازدهارها .
على أنّ المنهاج الذي وضعه الإسلام لتكامل الإنسان والمجتمع الإنساني ليس فيه انفصال أساسا بين التكامل المعنوي والتنمية المادّية . من هذا المنطلق ، أخذت البركات المادّية موقعها إلى جوار البركات المعنويّة في الفصل الثالث من هذا القسم ؛ وإنّما تتفجّر البركات المادّية من صلب البركات المعنويّة ، وتنبثق البركات المعنويّة من صميم البركات المادّية ، وهكذا .
إنّ القرآن الكريم يؤكّد من جهة بأنّه لو شاع الإيمان في أكناف المجتمع وعمّت التقوى أركانه ، لفاضت على الناس البركات الإلهية وتوالت عليهم من السماء والأرض، ولأخذتهم من بين أيديهم وأحاطتهم من كلّ جانب ؛ بحيث يشهد المجتمع الإنساني من اطّراد البركات المادّية ومن النموّ والازدهار الاقتصادي ما يفوق تصوّره. على هذا جاءت النصوص الإسلاميّة تسجّل صراحة بأنّ لممارسات مثل الصلاة والحجّ والدعاء دورها الذي تنهض به في البركات المادّية والازدهار الاقتصادي .
من جهة اُخرى ، ينظر الإسلام إلى العمل ـ الذي يعدّ واحدا من أهمّ مبادئ التنمية الاقتصادية والبركات المادّية ـ من أجل تأمين متطلّبات الحياة الكريمة على أنه من أفضل العبادات والقيم المعنويّة ؛ حتّى جاء عن النبيّ صلى الله عليه و آله قوله :
العِبادَةُ سَبعونَ جُزءا ؛ أفضَلُها طَلَبُ الحَلالِ.۱
على هذا الضوء،يتعامل الإسلام مع جميع الجهود التي تُبذل على طريق تحقيق البركات المادّية بوصفها عبادة إذا انطلقت من دوافع صحيحة وسارت

1.راجع : التنمية الاقتصادية في الكتاب والسنّة : (القسم الثاني/ الفصل الثالث : العمل/ طلب الحلال) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج3
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 168336
الصفحه من 676
طباعه  ارسل الي