الواجبات الدينيّة ما هي في الحقيقة إلّا دعوة لتطبيق المكارم وتحقيق الخيرات ، والمحرّمات الدينيّة ما هي في حقيقتها إلّا زجر عن السيّئات والمآثم. من هذه الزاوية ، يقول الإمام عليّ عليه السلام : «لَو لَم يَنْهَ اللّهُ عَن مَحارِمِهِ لَوَجَبَ أن يَجتَنِبَهَا العاقِلُ». ۱
على هذا الأساس ، يتبيّن أنّ لمحكمة الوجدان القدرة على الفصل في بعض المواضع بصحّة الأحاديث الدائرة حيال الضوابط الإسلاميّة أو زيفها ، ومدى صحّة انتسابها إلى النبيّ صلى الله عليه و آله أو إلى أهل بيته ، علاوة على أهليّتها في تشخيص الحَسن والقبيح ، ودورها الأساسي في تمييز الخير والشرّ . مردّ ذلك أنّه لا يصدر عن اُولئك المكرّمين قطعا ما يتنافى مع منطق العقل والفطرة . ولذا جاء في الحديث عن النبيّ صلى الله عليه و آله قوله :
إذا سَمِعتُمُ الحَديثَ عَنّي تَعرِفُهُ قُلوبُكُم وتَلينُ لَهُ أشعارُكُم وأبشارُكُم ، وتَرَونَ أنَّهُ مِنكُم قَريبٌ فَأَنَا أولاكُم بِهِ ، وإذا سَمِعتُمُ الحَديثَ عَنّي تُنكِرُهُ قُلُوبُكُم وتَنفِرُ مِنهُ أشعارُكُم وأبشارُكُم ، وتَرَونَ أنَّهُ بَعيدٌ عَنكُم فَأَنَا أبعَدُكُم مِنهُ .۲
حاجة العقل والفطرة إلى الوحي
ثمّ نقطة على غاية قصوى من الأهمية وتستحقّ الكثير من الدقّة ، تتمثّل في أنّ العقل والفطرة غير قادرين على تشخيص موارد الخير والشرّ ومصاديقهما كافّة ؛ لأنّهما لا يحيطان بجميع المصالح والمفاسد ، بل أكثر من ذلك ، فقد يظنّ الإنسان أنّ أمرا ما هو «خير» نتيجة اُلفته به ، كما قد يحسب أنّ أمرا آخر هو «شرّ» لغياب