513
حكم النّبيّ الأعظم ج3

الآصرة التي تربطه به ، والحقيقة غير ذلك . لهذا يحذّر القرآن من هذه الحالة بقوله :
«وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْـئا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْـئا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ» . ۱
كما قوله :
«فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْـئا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا » . ۲
بتعبير آخر : إنّ الإحساس المؤقّت الذي يساور الإنسان فيجعله يرتاح إلى شيء ويأنس به أو ينفر منه ولا يألفه ، لا يعدّ بذاته مقياسا في أن يكون ذلك الشيء خيرا أو شرّا ، بل يكمُن الملاك في الخير والشرّ والمعيار فيه من خلال دور ذلك الشيء في تحقيق الراحة الدائمة للإنسان وضمان سعادته على المدى البعيد . لذلك جاء عن الإمام عليّ عليه السلام قوله :
ما شَرٌّ بِشَرٍّ بَعدَهُ الجَنَّةُ ، وما خَيرٌ بِخَيرٍ بَعدَهُ النّارُ ، وكُلُّ نَعيمٍ دونَ الجَنَّةِ مَحقورٌ ، وكُلُّ بَلاءٍ دونَ النّارِ عافِيَةٌ.۳
على هذا الأساس ، يحتاج العقل والفطرة إلى الوحي ؛ بغية تشخيصهما الخير والشرّ على نحو تام وفي جميع الموارد . فالوحي ـ بوصفه مبدأ يحيط بجميع المصالح والمفاسد ـ بمقدوره أن يعرض أكمل برنامج حياتي ينهض بتأمين السعادة الدائمة للإنسان . يقول الإمام عليّ عليه السلام في هذا المضمار :
إنَّ اللّهَ سُبحانَهُ أنزَلَ كِتابا هادِيا بَيَّنَ فيهِ الخَيرَ وَالشَّرَّ ، فَخُذوا نَهجَ الخَيرِ تَهتَدوا ، وَاصدِفوا عَن سَمتِ الشَّرِّ تَقصِدوا.۴

1.البقرة : ۲۱۶ .

2.النساء : ۱۹ .

3.راجع : الخير والبركة في الكتاب والسنة : (القسم الأوّل/ الفصل الأول : معرفة الخير : ح۲۲) .

4.راجع : الخير والبركة في الكتاب والسنة : (القسم الأوّل/ الفصل الأول : معرفة الخير : ح۱۲).


حكم النّبيّ الأعظم ج3
512

الواجبات الدينيّة ما هي في الحقيقة إلّا دعوة لتطبيق المكارم وتحقيق الخيرات ، والمحرّمات الدينيّة ما هي في حقيقتها إلّا زجر عن السيّئات والمآثم. من هذه الزاوية ، يقول الإمام عليّ عليه السلام : «لَو لَم يَنْهَ اللّهُ عَن مَحارِمِهِ لَوَجَبَ أن يَجتَنِبَهَا العاقِلُ». ۱
على هذا الأساس ، يتبيّن أنّ لمحكمة الوجدان القدرة على الفصل في بعض المواضع بصحّة الأحاديث الدائرة حيال الضوابط الإسلاميّة أو زيفها ، ومدى صحّة انتسابها إلى النبيّ صلى الله عليه و آله أو إلى أهل بيته ، علاوة على أهليّتها في تشخيص الحَسن والقبيح ، ودورها الأساسي في تمييز الخير والشرّ . مردّ ذلك أنّه لا يصدر عن اُولئك المكرّمين قطعا ما يتنافى مع منطق العقل والفطرة . ولذا جاء في الحديث عن النبيّ صلى الله عليه و آله قوله :
إذا سَمِعتُمُ الحَديثَ عَنّي تَعرِفُهُ قُلوبُكُم وتَلينُ لَهُ أشعارُكُم وأبشارُكُم ، وتَرَونَ أنَّهُ مِنكُم قَريبٌ فَأَنَا أولاكُم بِهِ ، وإذا سَمِعتُمُ الحَديثَ عَنّي تُنكِرُهُ قُلُوبُكُم وتَنفِرُ مِنهُ أشعارُكُم وأبشارُكُم ، وتَرَونَ أنَّهُ بَعيدٌ عَنكُم فَأَنَا أبعَدُكُم مِنهُ .۲

حاجة العقل والفطرة إلى الوحي

ثمّ نقطة على غاية قصوى من الأهمية وتستحقّ الكثير من الدقّة ، تتمثّل في أنّ العقل والفطرة غير قادرين على تشخيص موارد الخير والشرّ ومصاديقهما كافّة ؛ لأنّهما لا يحيطان بجميع المصالح والمفاسد ، بل أكثر من ذلك ، فقد يظنّ الإنسان أنّ أمرا ما هو «خير» نتيجة اُلفته به ، كما قد يحسب أنّ أمرا آخر هو «شرّ» لغياب

1.غرر الحكم : ح ۷۵۹۵ .

2.مسند أحمد : ج۹ ص۱۵۴ ح۲۳۶۶۷ و ج۵ ص۴۳۴ ح۱۶۰۵۸ ، كما رُوي مثلهما عن أبي حميد وأبي سعيد ؛ كنز العمّال : ج۱ ص۱۷۸ ح۹۰۲ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج3
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 168340
الصفحه من 676
طباعه  ارسل الي