57
حكم النّبيّ الأعظم ج3

لكان كلام اللّه تعالى فُسِّر في أهل بيت النبيّ صلى الله عليه و آله بشكل آخر غدًا . من هنا ، لم يدعُ صلى الله عليه و آله زوجته إلى تناول الطعام استثناءً .
نزل جبريل الأمين عليه السلام بهذه الآية :
«إنَّما يُريدُ اللّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أهلَ البَيتِ ويُطَهِّرَكُم تَطهيرًا»
فمدّ النبيّ صلى الله عليه و آله الكساء الخيبريّ على صهره ، وَابنته ، وولديه ، وأومأ بيده اليمنى إلى ربّه ، فقال : «هؤُلاءِ أهلُ البَيتِ ، فَأَذهِب عَنهُمُ الرِّجسَ وطَهِّرهُم تَطهيرًا» .
وفي رواية اُخرى : «اللّهُمَّ هؤلاءِ أهلُ بَيتي وخاصَّتي ، اللّهُمَّ أذهِب عَنهُمُ الرِّجسَ وطَهِّرهُم تَطهيرًا» .
وفي رواية اُخرى : «اللّهُمَّ هؤُلاءِ آلُ مُحَمَّدٍ ، فَاجعَل صَلَواتِكَ وبَرَكاتِكَ عَلى مُحَمَّدٍ وآلِ مُحَمَّدٍ ، إنَّكَ حَميدٌ مَجيدٌ» .
إلى هنا كانت اُمّ سلمة قرب الحجرة ، وهي تشهد هذا الحدث النورانيّ المعنويّ بشكلٍ من الأشكال ، فلم يُطاوعها قلبها ، فتقدّمت ورفعت جانبًا من الكساء لعلّها تستمتع بهذه الأجواء النورانيّة ، لكنّ النبيّ صلى الله عليه و آله جرّ الكساء من يدها ، ومنعها من الدخول في أجواء أهل بيته القرآنيّة .
ويبدو أنّ اُمّ سلمة قد ساءها ذلك فقالت : ألست من أهل البيت ؟ فقال لها رسول اللّه صلى الله عليه و آله : «إنَّكِ إلى خَيرٍ ، إنَّكِ مِن أزواجِ رَسولِ اللّهِ» .

3 ـ جوّ الحادثة

إذا تأمّلنا في حادثة الكساء والأحاديث الواردة فيها ، تبيّن لنا بجلاء أنّ هذه الحادثة ليست كما تصوّرها بعض الكتّاب بأنّها حادثة عاديّة اكتسبت شأنًا فيما بعد ؛ بل هي حادثة تُعدّ من أخصّ الحوادث في تاريخ السيرة النبويّة في سياق التعريف بأئمّة المجتمع الإسلاميّ وقادته في المستقبل ، ويعود ذلك إلى الجوّ الخاصّ للحادثة


حكم النّبيّ الأعظم ج3
56

كلٌّ منها إلى قسم منها . من هنا ، نحاول أن نعرض فيما يأتي صورة تامّة لهذه الحادثة استهداءً بها جميعًا :
دخل النبيّ صلى الله عليه و آله ذات يوم بيتَ زوجته الكريمة اُمّ سلمة ، وكان موعودًا بنبأ مهمّ يأتيه من اللّه تعالى في عدد من أقاربه ذلك اليوم . من هنا طلب من زوجته مؤكّدًا ألّا تأذن لأحدٍ في الدخول .
من جانب آخر ، عزمت فاطمة عليهاالسلام في اليوم نفسه أن تُعِدّ لأبيها العزيز صلى الله عليه و آله طعامًا مناسبًا يُدعى عَصيدة ۱ . فأعدّته في قِدر صغير من الحَجَر ، ووضعته في طبق ، وجاءت به .
تقول اُمّ سلمة : لم يَسَعني أن أمنع فاطمة من الدخول . علمًا أنّ طلب النبيّ صلى الله عليه و آله من اُمّ سلمة أن لا تأذن لأحدٍ في الدخول لا يشمل فاطمة عليهاالسلام عادةً . بل إنّه أخلَى البيت ذلك اليوم لها ولبعلها وولديها .
أجل ، أقبلت فاطمة عليهاالسلام إلى أبيها بالعصيدة ، بَيد أنّ حضورها وحدها لا يكفي الآن ، لذلك أمرها أن تدعو له بعلها وَابنَيها . فعادت إلى بيتها ، وما لبثت أن جاءت بهم إلى بيت أبيها . وكان الحسنان عليهماالسلام صغيرين يومئذٍ .
قامت اُمّ سلمة بإشارة من رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، ووقفت ناحيةً تصلّي .
وغدا المجلس خاصًّا تمامًا ، يغمره الاُنس والقداسة ؛ فقد جلس رسول اللّه صلى الله عليه و آله إلى مائدة فاطمة عليهاالسلام التي كان يسمّيها بضعته ، مع عليّ عليه السلام الذي كان يراه نَفسَه ، وَابنَيه الحسن والحسين عليهماالسلام اللَّذَينِ كان يسمّيهما ريحانَتَيه .
وكان من عادة النبيّ صلى الله عليه و آله ألّا يأكل طعامًا إلّا مع إحدى أزواجه ، لكنّ الأمر اليوم على نحوٍ آخر ، والمائدة مائدة اُخرى ! ولو كانت اُمّ سلمة جلست علَى المائدة

1.دقيق يُلثّ بالسمن ويطبخ (لسان العرب : ج۳ ص۲۹۱) .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج3
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 167888
الصفحه من 676
طباعه  ارسل الي