635
حكم النّبيّ الأعظم ج3

على أعمالهم ، وهذا العقاب ليس تعاقديّا واعتباريّا ، بل هو عقاب تكوينيّ والنتيجة الطبيعية للفعل القبيح الّذي يرتكبه المجرم .
وقد ابتليت على مرّ التاريخ اُمم مختلفة بالزلازل والسيول والبلايا المختلفة ، واعتبر القرآن هذه البلايا النتيجة الطبيعيّة لسيّئاتهم ، فجاء في سورة العنكبوت بعد استعراض مصير قوم نوح وإبراهيم ولوط وتمرّد قوم عاد وثمود، ومواجهة قارون وفرعون وهامان للرسل وامتناعهم عن قبول دعوتهم:
«فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَ مِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَ مِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَ مِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْـلِمَهُمْ وَ لَـكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْـلِمُونَ» . ۱
وكون المصائب جزء من العقوبة يمثّل قضيّة مهمّة نبّه عليها القرآن الكريم مرارا ۲ وأكّدت عليها الأحاديث الكثيرة ، كما روي عن الإمام الرضا عليه السلام :
كُلَّما أَحدَثَ العِبادُ مِنَ الذُّنوبِ ما لَم يَكونوا يَعمَلونَ ، أحدَثَ اللّهُ لَهُم مِنَ البَلاءِ ما لَم يَكونوا يَعرِفونَ .۳

ب ـ التأديب

إنّ الهدف من بعض المصائب والبلايا الّتي يواجهها الإنسان، هو تأديبه وتحذيره من خطر الذنوب والانحرافات، يروى عن الإمام عليّ عليه السلام في هذا المجال:
البَلاءُ لِلظّالِمِ أَدَبٌ .۴

1.العنكبوت: ۴۰ .

2.راجع : هود : ۱۰۰ و ۱۰۱ ، التوبة : ۷۰ ، آل عمران : ۹ ، يونس : ۱۳ ، الكهف : ۵۹ ، القصص : ۵۹ ، النحل : ۱۱۲ .

3.الكافي : ج ۲ ص ۲۷۵ ح ۲۹ ، بحار الأنوار : ج ۷۳ ح ۳۴۳ ح ۲۶ .

4.راجع : ص۶۰۱ ح ۴۸۰۳ .


حكم النّبيّ الأعظم ج3
634

ولكنّ هذه المصائب لا تمثّل عقوبة جميع ذنوبهم ؛ لأنّ الكثير من الذنوب يعفو عنها اللّه ـ تعالى ـ بحكمته، وإلّا لما بقي على الأرض من دابّة :
«وَ لَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ» . ۱
ويعلن القرآن بصراحة أنّ الإنسان إذا لم يرتكب الأفعال القبيحة واختار الطريق الصحيح في الحياة ، فإنّ البركات الإلهيّة ستنهمر عليه من السماء والأرض :
«وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَْرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَـهُم بِمَا كَانُوايَكْسِبُونَْ» . ۲
وفي قبال ذلك إذا ما أساء الإنسان استغلال إرادته وحرّيته، فإنّه واستنادا إلى سنّة الخلق الثابتة وغير القابلة للتغيير، سوف لا يُنزل المصائب والمشاكل على نفسه وعلى مجتمعه وحسب، بل إنّ فساده سوف يمحو بركات الأرض ويثير الفساد في البرّ والبحر :
«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ» . ۳

أقسام المصائب الّتي هي نتيجة أفعال الإنسان

يمكن تقسيم المصائب الّتي تحيق بالإنسان على إثر عمله السيِّئ إلى ثلاثة أقسام :

أ ـ العقوبة

إنّ المصائب الّتي يُبتلى بها الأشخاص الذين لا توجد في حياتهم أيّة نقطة إيجابيّة والذين حفلت حياتهم بالفساد، هي من وجهة نظر القرآن جزء من العقاب

1.فاطر: ۴۵ وراجع: النحل: ۶۱ .

2.الأعراف: ۹۶ وراجع: المائدة: ۶۶ .

3.الروم: ۴۱ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج3
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 168267
الصفحه من 676
طباعه  ارسل الي