639
حكم النّبيّ الأعظم ج3

أَيُّها النّاسُ ! إنَّ اللّهَ قَد أعاذَكُم مِن أَن يَجورَ عَلَيكُم ، وَلَم يُعِذكُم مِن أَن يَبتَلِيَكُم . ۱
وممّا يجدر ذكره أنّ الاختبار الإلهي ليس الهدف منه الكشف عن الحقيقة المجهولة له أو للآخرين، بل لكي ينمّي مواهب الإنسان الدفينة بإرادته واختياره ، بحيث ينكشف ما في داخله تلقائيّا، كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام :
أَلا إنَّ اللّهَ قَد كَشَفَ الخَلقَ كَشفَةً ، لا أَنَّهُ جَهِلَ ما أَخفَوهُ مِن مَصونِ أسرارِهِم ومَكنونِ ضَمائِرِهِم ، وَلكِن لِيَبلُوَهُم أَيُّهُم أَحسَنُ عَمَلاً ، فَيَكونَ الثَّوابُ جَزاءً وَالعِقابُ بَواءً .۲
فروح الإنسان تنصقل وتقوى من خلال المصائب ؛ كجسمه، ولهذا روي عن الإمام عليّ عليه السلام ردّا على ما يظنّه بعض الناس من أنّ الحياة في ظلّ الظروف الصعبة والتغذية البسيطة تؤدّي إلى ضعف الجسم وعجزه، قوله:
أَلا وَإِنَّ الشَّجَرَةَ البَرِّيَّةَ أَصلَبُ عودا ، وَالرَّواتِعَ الخَضِرَةَ أَرَقُّ جُلودا ، وَالنّابِتاتِ العِذيَةَ أَقوى وَقودا وَأَبطَأ خُمودا .۳
إنّ الهدف من المصائب والمشاكل الّتي يواجهها أهل الإيمان في ظلّ النظام الحكيم الّذي يسود العالم هو تربية المواهب الباطنة وتكاملها، وفي الحقيقة فإنّ اللّه ـ تعالى ـ يغذّي أرواح أوليائه في هذا العالم بالبلاء، كما نرى ذلك في العبارة الجميلة التالية المرويّة عن رسول اللّه صلى الله عليه و آله :
إنَّ اللّهَ لَيُغَذّي عَبدَهُ المُؤمِنَ بِالبَلاءِ ، كَما تُغَذِّي الوالِدَةُ وَلَدَها بِاللَّبَنِ .۴
كما أنّ كلّ من كان أقرب إلى الحضرة الإلهيّة سقي أكثر من كؤوس البلاء، كما جاء في الحديث النبويّ :

1.نهج البلاغة : الخطبة ۱۰۳ .

2.نهج البلاغة : الخطبة ۱۴۴ .

3.نهج البلاغة : الكتاب ۴۵ .

4.راجع : موسوعة العقائد الإسلاميّة : ج ۶ ح ۶۴۸۸ .


حكم النّبيّ الأعظم ج3
638

يشمل أنواع النعم والمسرّات .
روي عن الإمام الصادق عليه السلام إنّ أمير المؤمنين عليه السلام مرض ذات مرّة ، فدخل عليه جماعة لعيادته فسألوه: كيف أصبحت:؟ فأجابهم بغير ما كانوا يتوقّعوه منه قائلاً :
أصبَحتُ بِشَرٍّ !
فسألوه متعجبين :
سُبحانَ اللّهِ ، هذا مِن كَلامِ مِثلِكَ ؟!۱
فأجابهم الإمام قائلاً :
يَقولُ اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى :«وَ نَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَ الْخَيْرِ فِتْنَةً»۲، فَالخَيرُ الصِّحَّةُ وَالغِنى ، وَالشَّرُّ المَرَضُ وَالفَقرُ ابتِلاءً وَاختِبارا .۳
فالآية المذكورة في كلام أمير المؤمنين عليه السلام هي دليل واضح على أنّ حكمة بعض المصائب هي الاختبار والابتلاء ، كي يبلغ الإنسان الكمال نتيجة «الصبر» والتحمّل والنجاح في الاختبار ، وقد جاء هذا المعنى في آية اُخرى :
«وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَىْ ءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَ لِ وَ الْأَنفُسِ وَ الثَّمَرَ تِ وَبَشِّرِ الصَّـبِرِينَ» . ۴
وعلى هذا الأساس، فإنّ الشرور والمصائب الّتي يكون الهدف منها اختبار الإنسان وبناءه لا تتنافى مع العدالة والحكمة الإلهيّتين وحسب، بل هي الحكمة بعينها، كما يشير الإمام عليّ عليه السلام إلى ذلك في قوله:

1.الأنبياء : ۳۵ .

2.راجع : موسوعة العقائد الإسلاميّة : ج ۶ ح ۶۴۱۳ .

3.البقرة: ۱۵۵ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج3
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 215798
الصفحه من 676
طباعه  ارسل الي