643
حكم النّبيّ الأعظم ج3

2 . الآثار التكوينية للذنوب

إنّ الأعمال السيّئة للمكلّفين الواعين لها في عالم الأسباب تأثير في مصير المجتمع بشكل طبيعيّ وتكوينيّ ، فالشخص المذنب لا يفسد حياته وحسب ، بل إنّه يعرّض المجتمع للسقوط في هاوية الانحطاط .
فالإنسان المذنب هو كالسفيه الّذي يخرق السفينة في عباب البحر، فإن منعه الآخرون نجا الجميع ، وإلّا فإنّ الجميع سيغرقون ومن بينهم خارق السفينة ، سواء كانوا مقصّرين أم لم يكونوا ، كبارا كانوا أم صغارا، ولهذا يعلن القرآن الكريم صراحةً :
«وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَـلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً» . ۱
فنتيجة الظلم شاملة بموجب نظام الخلق القائم على الحكمة، فالنار عندما تشبّ تأتي على الأخضر واليابس. بل إن عمل الإنسان القبيح لا يؤدّي إلى فساد المجتمع وحسب، وإنّما يفسد البيئة أيضا :
«ظَهَرَ الْفَسَادُ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِى النَّاسِ» . ۲
ففي عالم الأسباب، عندما يلوذ الناس بالصمت إزاء الاعتداءات وغصب الحقوق، فإنّ أنواع البلايا ـ الّتي تمثّل الآثار التكوينيّة للذنوب ـ سوف تعمّهم جميعا حتّى المستضعفين ، بل عندها لا ينفع دعاء الصالحين لتغيير مصير المجتمع ، كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام :
لا تَترُكُوا الأَمرَ بِالمَعروفِ وَالنَّهيَ عَنِ المُنكَرِ فَيُوَلّى عَلَيكُم شِرارُكُم ، ثُمَّ تَدعُون فَلا يُستَجابُ لَكُم .۳

1.الانفال: ۲۲ .

2.الروم: ۴۱ .

3.راجع : موسوعة العقائد الإسلاميّة : ج ۶ ح ۶۴۹۵ .


حكم النّبيّ الأعظم ج3
642

قابلة للتغيير . ۱
وهذا يعني أنّ التدبير الإلهيّ وإجراءات اللّه ـ تعالى ـ لها قانونها الخاصّ بها ، وهو قانون ثابت وغير قابل للتغيير، وليس كمثل القوانين التعاقديّة والاعتباريّة القابلة للتغيير.
وقد أوضح الإمام الصادق عليه السلام في رواية عنه، هذه الحقيقة في قوله:
أبى اللّهُ أَن يُجرِيَ الأشياءَ إلّا بِأسبابٍ فَجَعَلَ لِكُلِّ شَيءٍ سَبَبا .۲
واستنادا إلى قانون الأسباب والسنّة الإلهيّة الثابتة في تدبير اُمور عالم الخلق ، يمكننا أن نذكر عوامل المصائب والبلايا الّتي يبتلى بها المستضعفون كالتالي :

1 . الاستغلال السيّئللحرّية

إنّ نتيجة تمتّع الإنسان بالحرّية والاختيار في عالم الأسباب ، هي أنّ البعض يسيئون استغلال حرّيتهم ويتجاوزون على حقوق الآخرين، كما جاء في القرآن حول سوء استغلال أحد رؤوس الاستكبار لحريّته :
«إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِى الْأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَـائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَ يَسْتَحْيى نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ» . ۳
وبناء على ذلك ، فإنّ استغلال الأشخاص الواعين لحريّاتهم يؤدّي إلى ظهور طبقتي الظالمين والمظلومين، والمستثمِرين، والمستثمَرين ، لا أن إرادة اللّه تعلقت بذلك كي تثار التساؤلات حول عدالته ، كما روي عن الإمام عليّ عليه السلام :
ما جاعَ فَقيرٌ إلّا بِما مُتِّعَ بِهِ غَنِيٌّ .۴

1.راجع: الأحزاب : ۲۳ و ۲۶ ، الفتح : ۲۳ ، الاسراء : ۷۷ ، فاطر : ۴۳ و ۳۵ .

2.الكافي : ج ۱ ص ۱۸۳ .

3.القصص : ۴ .

4.نهج البلاغة : الحكمة ۳۲۸ .

  • نام منبع :
    حكم النّبيّ الأعظم ج3
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق/1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 164972
الصفحه من 676
طباعه  ارسل الي