105
حكم النّبي الأعظم ج1

الكمال، ويسير بها على طريق الغاية النهائية لعالم الخلقة. وقد عبّر القرآن الكريم عن هذه المعارف الفطرية بإلهام الفجور والتقوى، وذلك في قوله:
«وَ نَفْسٍ وَ مَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَ تَقْوَاهَا» . ۱
وهو ما يسمّى اليوم بالوجدان الأخلاقي.
يعتبر عقل الطبع أو الوجدان الأخلاقي مبدأ للإدراك، وفي الوقت ذاته كمبدأ للحفز، ولو قُدّر له الانبعاث والتنامي على أساس تعاليم الأنبياء لَتَسنّى للإنسان الاستفادة من سائر المعارف التي اختزنها عن طريق الدراسة والتجربة، ولتيسّر له تحقيق الحياة الإنسانية الطيّبة التي يصبو إليها. أمّا إذا مات عقل الطبع على أثر اتّباع الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية، فلا تنفع الإنسان عند ذاك أيّ معرفة في إيصاله إلى الحياة المنشودة، مثلما ورد في كلام أميرالمؤمنين عليه السلام الذي شبّه فيه عقل الطبع بالعين، وعقل التجربة بالشمس. ولا شكّ في أنّ رؤية الحقائق تستلزم وجود عين سليمة من جهة، ووجود نور الشمس من جهة اُخرى . وكما أنّ نور الشمس لا يحول دون زلل الأعمى، فكذلك لا ينفع عقل التجربة في الحيلولة دون زلل من مات لديه عقل الطبع والوجدان الأخلاقي وسقوطه .

الفرق بين العاقل والعالم

يأتي في مدخل القسم الرابع أنّ لكلمة «العلم» في النصوص الإسلامية استخدامين: يُعنى أحدهما بجوهر العلم و حقيقته فيما يتناول الآخر قشره الظاهري فحسب. في الاستخدام الأوّل هنالك تلازم بين العقل والعلم كما روي عن أميرالمؤمنين عليه السلام أنّه قال:
العَقلُ وَالعِلمُ مَقرونانِ في قَرنٍ لا يَفتَرِقانِ ولا يَتَبايَنانِ.۲

1.الشمس : ۷ و۸ .

2.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۱ (المعرفة / القسم الثاني : العقل / الفصل الخامس : علامات العقل / آثار العمل : ح ۳۱۵) .


حكم النّبي الأعظم ج1
104

عقل الطبع وعقل التجربة

وبدلًا من تقسيم العقل إلى نظري وعملي وضعت له النصوص الإسلامية تقسيما من نوع آخر ، وصنّفته إلى «عقل طبع» و«عقل تجربة» أو «عقل مطبوع» و«عقل مسموع» ، حيث قال الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام في هذا المضمار:
العَقلُ عَقلانِ؛ عَقلُ الطَّبعِ وعَقلُ التَّجرِبَةِ، وكِلاهُما يُؤّدِّي المَنفَعَةَ.۱
وقال أيضا:

رَأيتُ العَقلَ عَقلَينِ
فَمَطبوعٌ ومَسموعُ

لا يَنفَعُ مَسموعٌ
إذا لَم يَكُ مَطبوعُ

كَما لا تنفَعُ الشَّمسُ
وضَوءُ العَينِ مَمنوعُ.۲

وممّا يسترعي الانتباه في هذا المجال هو ما روي عن الإمام علي عليه السلام فيما يخصّ هذا التقسيم، حيث روي عنه أنّه قال بشأن العلم:
العِلمُ عِلمانِ؛ مَطبوعٌ ومَسموعٌ، ولا يَنفَعُ المَسموعُ إذا لَم يَكُنِ المَطبوعُ.۳
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو: ما العقل والعلم المطبوع؟ وبِمَ يختلف عن العقل والعلم المسموع؟ ولماذا لا ينفع الإنسان عقل التجربة والعلم المسموع إذا لم يكن العقل والعلم المطبوع؟
والجواب هو: الظاهر أنّ المراد من العقل والعلم المطبوع هو مجموعة المعارف التي أودعها اللّه عز و جل في طبيعة كلّ إنسان؛ ليعثر بواسطتها على الطريق الذي يقوده إلى

1.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۱ (المعرفة / القسم الثاني : العقل / الفصل الأوّل / أنواع العقل : ح ۲۲) .

2.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۱ (المعرفة / القسم الثاني : العقل / الفصل الأول : معرفة العقل / أنواع العقل : ح ۲۳) .

3.راجع : موسوعة العقائد الإسلامية : ج ۲ (المعرفة / القسم الرابع : العلم / الفصل الأوّل : حقيقة العلم : ح ۱۲۸۴ .

  • نام منبع :
    حكم النّبي الأعظم ج1
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 229321
الصفحه من 690
طباعه  ارسل الي