الْمُشْرِكُونَ» . 1
كلّ ذلك لم يكن ليخفى على الشخصيات الواعية في التاريخ ، اُولئك الذين كانوا يعرفون مسار الحقائق ويدركون كيفية نفوذ الفكر والكلام ، سواء في ذلك الذين كانوا يدركون هذه الحقيقة ولكنّهم لا يحتملونها فكانوا يتّخذون موقف العداء والمواجهة ، والذين كانوا يدركون هذه الحقيقة ويحتملونها ويذعنون إليها خاضعين ويحنون رؤوسهم أمام عظمتها . والآن لنتأمّل نموذجا من كلّ واحد من هذين الاتّجاهين :
روي أنّ الوليد بن المغيرة ـ وكان من ألدّ أعداء النبيّ صلى الله عليه و آله ـ قال بعد سماع آيات من القرآن :
واللّه قد سمعت من محمّدٍ آنفا كلاما ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجنّ ، وإنّ له لحلاوة ، وإنّ عليه لطلاوة ، وإنّ أعلاه لمثمر ، وإنّ أسفله لمغدق ، وإنّه ليعلو ولا يُعلى عليه . 2
وقال أنيس بن جنادة ، الذي كان من أبلغ شعراء العصر الجاهلي ومن جملة نقّاد محافل الشعر في ذلك العصر ، بعد التصريح بأنّه وضع الكلام الذي جاء به رسول اللّه صلى الله عليه و آله على ميزان النقد مع أبلغ الأشعار والأقوال :
فما يلتئم على لسان أحد بعدي أنّه شعر ، واللّه إنّهُ لصادق وإنّهم لكاذبون . 3
وهكذا فقد أذعن أصحاب القلوب الطاهرة أمام الحقّ ، وتحلّقوا كالفراشات حول شمعة وجود النبيّ صلى الله عليه و آله ، واستماتوا في الدفاع عنه . وأمّا أصحاب القلوب المريضة والنفوس المظلمة فقد اصطفّوا في ذلك العصر وما بعده وعلى مرّ التاريخ معلنين الحرب على تعاليمه السامية ، وسعوا بأساليب مختلفة من أجل النيل من شخصيّة النبيّ صلى الله عليه و آله وتحريف وقلب صورته الجميلة ، ولم يألوا جهدا منذ أقدم العصور حتّى القرون الأخيرة ، حيث ظهرت واتّسعت دراسات المستشرقين وبحوثهم في