393
حكم النّبي الأعظم ج1

شرط تحقّقه واستمراره ، فإنّ زوال الإيمان يكون ممكنا عن طريق الإنكار اللساني أو بايجاد أسباب الكفر. ۱
و على هذا الأساس ، فعلى الرغم من أنّ المرحوم المجلسي اعتبر في بحارالأنوار وفي القسم الأوّل من مباحثه الإيمان المستند إلى العلم القطعيّ غير قابل للزوال ، ولكن يجب القول استنادا إلى ما ذكره في مرآة العقول في تفسير الإيمان إنّ رأيه النهائي لا يختلف عن رأي معظم المتكلّمين .

الرأي الرابع : درجات الإيمان العليا غير قابلة للزوال

يبدو أنّ الرأي الصحيح في القضيّة موضوع البحث ، هو هذا الرأي والذي يمكن استنباطه بوضوح من روايات أهل البيت عليهم السلام ، فقد روي بسند معتبر عن الإمام الباقر ، أو الإمام الصادق عليهماالسلام قوله :
إنَّ اللّهَ عز و جل خَلَقَ خَلقا لِلإِيمانِ لا زَوالَ لَهُ ، وخَلَقَ خَلقا لِلكُفرِ لا زَوالَ لَهُ ، وخَلَقَ خَلقا بَينَ ذلِكَ ، وَاستَودَعَ بَعضَهُمُ الإِيمانَ ، فَإِن يَشَأ أن يُتِمَّهُ لَهُم أتمّهُ ، وإن يَشَأ أن يَسلُبَهُم إيّاهُ سَلَبَهُم .۲
ونقل في رواية اُخرى عن الإمام الصادق عليه السلام :
إنَّ اللّهَ ... جَبَلَ بَعضَ المُؤمِنينَ عَلَى الإِيمانِ فَلا يَرتَدّون أبَدا ، ومِنهُم مَن اُعيرَ الإِيمانَ عارِيَّةً ، فَإِذا هُوَ دَعا وأَلحَّ فِي الدُّعاءِ ماتَ عَلَى الإِيمانِ .۳
وتدلّ هاتان الروايتان بوضوح على أنّ الإنسان قد يصل أحيانا خلال مسيرته التكاملية إلى مرتبة عالية من الإيمان على إثر الرياضة والمجاهدة ، حيث تكون هذه المرتبة غير قابلة للزوال ، بمعنى أنّ اللّه ـ تعالى ـ يضمن حفظه من الانزلاق .

1.المصدر السابق .

2.الكافي : ج ۲ ص ۴۱۷ ح ۱ ، تفسير العياشي : ج ۱ ص ۳۷۳ ح ۷۶ ، بحارالأنوار : ج ۶۹ ص ۲۲۴ ح ۱۵ .

3.الكافي : ج ۲ ص ۴۱۹ ح ۵ .


حكم النّبي الأعظم ج1
392

الإيمان بالكفر ، وإن اشترط فيه العلم القطعي ففي جواز زواله إشكال ... نعم إن اعتبر في الإيمان اليقين وفسّر بأنّه اعتقاد جازم ثابت مطابق للواقع يمتنع زواله، فبعد زواله انكشف إنّه لم يكن مؤمنا، لكن اعتبار ذلك أوّل الكلام. ۱
وقد بيّن رأيه في كتاب مرآة العقول بتفصيل أكثر حيث قال :
الحقّ أنّ الإيمان إذا بلغ حدّ اليقين فلا يمكن زواله، ولكن بلوغه إلى هذا الحدّ نادر، وتكليف عامّة الخلق بها في حرج ، بل الظاهر أنّه يكفى في إيمان أكثر الخلق الظنّ القويّ الّذي يطمئنّ به النفس، وزوال مثل ذلك ممكن، ودرجات الإيمان كثيرة كما عرفت، ففي بعضها يمكن الزوال والعود إلى الشّك، بل إلى الإنكار، وهو إيمان المعاد، وفي بعضها لا يمكن الزوال لا بالقول ولا بالعقيدة ولا بالفعل، وفي بعضها يمكن الزوال بالقول والفعل مع عدم زوال الاعتقاد كقوم من الكفرة كانوا يعتقدون صدق الرسول صلى الله عليه و آله وكانوا يعاندون وينكرون أشدّ الإنكار للأغراض الفاسدة والمطالب الدنيويّة كأبي جهل وأضرابه ، و كثير من الصحابة رأوا نصب على عليه السلام في يوم الغدير، وسمعوا النصّ عليه في ساير المواطن، وغلبت عليهم الشقاوة وحبّ الدنيا، وأنكروا ذلك . ۲
ومراد العلّامة المجلسي من «اليقين» هو العلم القطعي ، بقرينة مقابلته بالظنّ وعلى هذا ، فإنّه يعتبر الظنّ القوي الموجب للاطمئنان كافيا أيضا في تحقّق الإيمان ، ويرى أنّ الإيمان إن كان مستندا إلى «العلم» ، فنظرا إلى أن تبدّل «العلم» إلى «الجهل» غير ممكن، فزوال الإيمان بهذا المعنى غير ممكن أيضا ، أمّا إذا كان الإيمان مستندا إلى الظنّ القوي ، فإنّه يكون قابلاً للزوال .
ولكنّه يقول بعد ذلك : إذا كان الجزم شرطا أيضا ، فنظرا إلى أنّ المعرفة القلبيّة مضافا إلى الاعتراف اللساني وكذلك عدم صدور العمل الذي يؤدّي إلى الكفر هما

1.بحار الأنوار : ج ۶۹ ص ۲۱۸ .

2.مرآة العقول : ج ۱۱ ص ۲۴۲ .

  • نام منبع :
    حكم النّبي الأعظم ج1
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 229463
الصفحه من 690
طباعه  ارسل الي