481
حكم النّبي الأعظم ج1

عَرَفتُ اللّهَ ـ جَلَّ جَلالُهُ ـ بِنَفسي لأَِنَّها أقرَبُ الأَشياءِ إِلَيَّ ، وذلِكَ أنّي أجِدُها أبعاضا مُجتَمِعَةً وأجزاءً مُؤتَلِفَةً ...۱
ويشير في الختام إِلى أنّ القصد من قوله تعالى: «وَ فِى أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ»۲ هو هذا المعنى نفسه .
لكنّنا نأسف شديد الأَسف على أنّ المعنى الواضح الذي أَكدّه القرآن الكريم والأَحاديث في تبيين حديث معرفة النفس قد غُفِلَ عنه تماما ولم يذكر في عداد الشروح الملحوظة حتّى بوصفه معنىً كسائر المعاني ـ التي فُرض بعضها على الحديث الشريف ـ ولو أنّ علماء المسلمين أَخذوا برسالة القرآن في معرفة النفس لفاقوا جميع علماء العالم في العلوم المرتبطة بعلم معرفة الإنسان .

الخامس : مراتب معرفة النفس

لا شكّ في أنّ لمعرفة النفس مراتب كمعرفة اللّه ، لذا نقرأ في الحديث النبويّ قوله صلى الله عليه و آله :
أعرَفُكُم بِنَفسِهِ أعرَفُكُم بِرَبِّهِ .۳
إِنّ أوطأ المراتب في معرفة النفس ميسّرة لعامّة الناس ، بيد أنّه كلّما زادت معلومات الإنسان بنفسه ، زادت معرفته باللّه سبحانه ، إِلى أن يظفر بالمعرفة الشهوديّة للنّفس ، وهناك يفوز بالمعرفة الشهوديّة للحقّ تعالى ، ويشهد وحدانيّته إِلى جانب الملائكة وأُولي العلم:
«شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَـهَ إِلَا هُوَ وَالْمَلَـئكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ» . ۴
ولا يتيسّر بلوغ هذه المرتبة من المعرفة إِلّا عن طريق المجاهدة .

1.راجع : موسوعة العقائد الإسلامّية : ج ۳ ص ۸۲ ح ۳۴۷۰ .

2.الذاريات : ۲۱ .

3.روضة الواعظين : ص۲۰ .

4.آل عمران : ۱۸ .


حكم النّبي الأعظم ج1
480

3 . الرجوع إِلى ما فهمه أَصحاب الأئمّة من معرفة النفس.
ويدلّ تحليل لما قيل في معاني الحديث المذكور على أنّ النقاط التي أُشير إِليها إِمّا لم تنل نصيبها من الاهتمام أو قَلّ الاهتمام بها .

الرابع : أَوضح معاني الحديث

إِنّ مقتضى الدقّة في الآيات التي تدعو الإنسان إِلى معرفة اللّه بمعرفة نفسه ، ومجموع الأَحاديث التي تبيّنها وتفسّرها ، وكذلك الرجوع إِلى فهم المتكلّمين من أَصحاب أَهل البيت ، كلّ ذلك يُفضي إِلى أنّ أَوضح معاني الحديث الدعوة إِلى معرفة النفس ، والتدبّر في الحِكَم التي مضت في خلق الإنسان ، وتُعبّر عن العلم والقدرة المطلقة لخالقه ، وهذه الحِكَم التي شُرحت في متن القرآن والأَحاديث هي كيفيّة خلق الإنسان من تراب ، وكيفيّة نشأته من نطفة ، وتصوير الجنين في الرحم ، ونفخ الروح في الجنين ، واختلاف الأَلسن والأَلوان ، وتأَمين الأطعمة المطلوبة... إِلخ. وقد أَوجز الإمام الصادق عليه السلام آيات الحكمة وآثار الصنع في وجود الإنسان بقوله:
وَالعَجَبُ مِن مَخلوقٍ يَزعُمُ أَنَّ اللّهَ يَخفى عَلى عِبادِهِ وهُوَ يَرى أَثَرَ الصُّنعِ في نَفسِهِ بِتَركيبٍ يُبهِرُ عَقلَهُ وتَأليفٍ يُبطِلُ حُجَّتَهُ .۱
وقوله عليه السلام في بيان الآية 53 من سورة فصّلت : «وَ فِى أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ» :
إنَّهُ خَلَقَكَ سَميعا بَصيرا ، تَغضَبُ وتَرضى ، وتَجوعُ وتَشبَعُ ، وذلِكَ كُلُّهُ مِن آياتِ اللّهِ.۲
من اللافت للنظر أنّ هشام بن الحكم ـ وهو من تلاميذ الإمام الصادق عليه السلام وأَصحابه المتكلّمين ـ استنبط نفس المعنى من الآيات والأَحاديث الواردة في معرفة النفس ، فقد قال في صدد معرفة اللّه عن طريق معرفة النفس:

1.بحار الأنوار : ج ۳ ص ۱۵۲ عن المفضّل بن عمر .

2.بحار الأنوار : ج ۷۰ ص ۱۳۴ .

  • نام منبع :
    حكم النّبي الأعظم ج1
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 229428
الصفحه من 690
طباعه  ارسل الي