505
حكم النّبي الأعظم ج1

4 . الاستعانة باللّه عز و جل

إنّ التعليم الرابع في السلوك إلى اللّه هو التضرّع إلى اللّه ـ جلّ شأنه ـ والاستعانة به ، وللدعاء في إِيصال السالك إلى الهدف طريقيّة وموضوعيّة ، وتعود طريقيّته إلى أنّه مصدر توفيق الإنسان للقيام بسائر برامج السلوك ، أَمّا موضوعيّته فتؤول إلى أنّه لُبُّ العبادة . ۱
بل يمكن أن نقول إِذا تحقّقت شروط الدعاء فإنّه من أَقرب طرق الوصول إلى الهدف ، بل هو نفسه الطريق الأَقرب إلى ذلك ، كما قال تعالى :
«وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِى عَنِّى فَإِنِّى قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِى وَلْيُؤْمِنُواْ بِى لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ» . ۲
من هنا ، يعير الأَنبياء وأَولياء اللّه أَهميّة خاصّة للدعاء ومناجاة اللّه سبحانه ، وكانوا يستمدّونه قبل غيرهم . قال الإمام الباقر عليه السلام ـ في تفسير قوله تعالى : «إِنَّ إِبْرَ هِيمَ لَأَوَّ هٌ حَلِيمٌ »۳ ـ :
الأوّاهُ هُوَ الدَّعّاءُ .۴
قال الإمام الصادق عليه السلام في جدّه أَميرالمؤمنين عليه السلام :
كانَ أميرُالمُؤمِنينَ عليه السلام رَجُلاً دَعّاءً .۵

1.كما روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله : «الدعاء مخّ العبادة» (سنن الترمذي : ج ۵ ص ۴۵۶ ح ۳۳۷۱ ، كنز العمّال : ج ۲ ص ۶۲ ح ۳۱۱۴ ؛ الدعوات : ص ۱۸ ح ۸ ، بحار الأنوار : ج ۹۳ ص ۳۰۰) .

2.البقرة : ۱۸۶ .

3.توبة : ۱۱۴ .

4.الكافي : ج ۲ ص ۴۶۶ ح ۱ ، عدّة الداعي : ص ۳۳ ، بحار الأنوار : ج ۹۳ ص ۲۹۹ .

5.الكافي : ج ۲ ص ۴۶۸ ح ۸ ، عدّة الداعي : ص ۳۳ ، بحار الأنوار : ج ۹۳ ص ۳۰۴ ح ۳۹ .


حكم النّبي الأعظم ج1
504

اللّه ، ونقرأ في دعاءٍ علّمه الإمام الصادق عليه السلام زرارة قوله :
اللّهُمَّ عَرِّفني نَفسَكَ فَإِنَّكَ إن لَم تُعَرِّفني نَفسَكَ لَم أعرِف نَبِيَّكَ ، اللّهُمَّ عَرِّفني رَسولَكَ فَإِنَّكَ إن لَم تُعَرِّفني رَسولَكَ لَم أعرِف حُجَّتَكَ ، اللّهُمَّ عَرِّفني حُجَّتَكَ فَإِنَّكَ إن لَم تُعَرِّفني حُجَّتَكَ ضَلَلتُ عَن ديني .۱
وأَبْيَنُ من هذا الكلام ، حين سأل رئيس النصارى أَميرالمؤمنين عليه السلام قائلاً : عرفتَ اللّه بمحمّدٍ ، أَم عرفت محمّدا باللّه ؟ فقال عليه السلام :
ما عَرَفتُ اللّهَ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، ولكِن عَرَفتُ مُحَمَّدا صلى الله عليه و آله بِاللّهِ ... .۲
فكيف يمكن الجمع بين هاتين الطائفتين من الروايات؟
الجواب هو أنّ هذه الأَحاديث تعبّر عن التأثير المتبادل لمعرفة اللّه ومعرفة أَهل البيت ، فمن جهةٍ معرفة النبيّ صلى الله عليه و آله وأَهل بيته ، كما جاء في الحديث أَعلاه فرع من معرفة اللّه ، ذلك أنّ النبوّة لا تكتسب معناها إلّا بعد إِثبات وجود اللّه ، ومن جهةٍ أُخرى ، ما لم يَدْعُ الأَنبياءُ النَّاس إلى معرفة اللّه ، وما لم يهيّئوا أَرضيّة التفكّر في براهين التوحيد بين ظهراني النَّاس ، لا يتوجّه أَحد صوب معرفة اللّه عز و جل ، حينئذٍ ـ كما بيّنا ـ لا يتسنّى نيلُ الدرجات العليا من معرفة اللّه إلّا عن طريق تعليمات النبيّ صلى الله عليه و آله وأَهل بيته عليهم السلام وإِرشاداتهم .
على هذا الأَساس لا تعارض بين الطائفتين من الروايات المشار إليها ، أي : في البداية يدعو الأَنبياء وأَوصياؤهم النَّاس إلى معرفة اللّه على أَساس البرهان ، وبعد أن عرفوا اللّه سبحانه تدعوهم عقولهم إلى اتّباع رسل اللّه والقادة الربّانيّين ، ويمهّد أَئمّة الدين الأَرضيّة لتعالي الإنسان وبلوغ الدرجات العليا من مراتب معرفة اللّه .

1.الكافي : ج ۱ ص ۳۳۷ ح ۵ ، بحار الأنوار : ج ۵۲ ح ۱۴۶ ح ۷۰ .

2.التوحيد : ص ۲۸۷ ح ۴ ، بحار الأنوار : ج ۳ ص ۳۷۲ ح ۹ .

  • نام منبع :
    حكم النّبي الأعظم ج1
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 282778
الصفحه من 690
طباعه  ارسل الي