سَأَلتَ : عَن قَولِ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ : «قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَـبِ» 1 ، فَهُوَ آصِفُ بنُ بَرخِيَا وَلَم يَعجِز سُلَيمَانُ عليه السلام عَن مَعرِفَةِ ما عَرَفَ آصِفُ ، لَكِنَّهُ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ أَحَبَّ أَن يُعَرِّفَ أُمَّتَهُ مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ أَنَّهُ الحُجَّةُ مِن بَعدِهِ ، وَذَلِكَ مِن عِلم سُلَيمَانَ عليه السلام أَودَعَهُ عِندَ آصِفَ بِأَمرِ اللّهِ ، فَفَهَّمَهُ ذَلِكَ لِئَلَا يَختَلِفَ عَلَيهِ فِي إِمَامَتِهِ وَدَلالَتِهِ كَمَا فُهِّمَ سُلَيمَانُ عليه السلام في حَيَاةِ داوُودَ عليه السلام لِتُعرَفَ نُبُوَّتُهُ وَإمَامَتُهُ مِن بَعدِهِ لِتَأَكُّدِ الحُجَّةِ عَلَى الخَلقِ .
وَأَمَّا سُجُودُ يَعقُوبَ عليه السلام وَوُلدِهِ ، فَكَان طَاعَةً للّهِِ وَمَحَبَّةً لِيُوسُفَ عليه السلام ، كَمَا أَنَّ السُّجُودَ مِنَ المَلائِكَةِ لِادَمَ عليه السلام لَم يَكُن لِادَمَ عليه السلام ، وَإنَّمَا كَانَ ذَلِكَ طَاعَةً للّهِِ وَمَحَبَّةً مِنهُم لِادَمَ عليه السلام ، فَسُجُودُ يَعقُوبَ عليه السلام وَوُلدِهُ وَيُوسُفَ عليه السلام مَعَهُم كَانَ شُكرَا للّهِِ بِاجتِمَاعِ شَملِهِم ، أَلَم تَرَهُ يَقُولُ فِي شُكرِهِ ذَ لـِكَ الوَقتَ : «رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ» 2 إلى آخِرِ الآيَةِ .
وَأَمَّا قَولُهُ : « فَإِن كُنتَ فِى شَكٍّ مِّمَّآ أَنزَلْنَآ إِلَيْكَ فَسْـئلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَـبَ» 3 فَإِنَّ المُخَاطَبَ بِهِ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَلَم يَكُن فِي شَكٍّ مِمَّا أُنزِلَ إِلَيهِ وَلَكِن قَالَتِ الجَهَلَةُ : كَيفَ لَم يَبعَثِ اللّهُ نَبِيَّا مِنَ المَلائِكَةِ ؟ إِذ لَم يَفرُق بَينَ نَبِيِّهِ وَبَينَنا فِي الاِستِغنَاءِ عَنِ المَآكِلِ وَالمَشَارِبِ وَالمَشِيِ فِي الأَسوَاقِ ، فَأَوحَى اللّهُ إِلَى نَبِيِّهِ : «فَسْـئلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَـبَ» 4 بِمَحضَرِ الجَهَلَةِ ، هَل بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً قَبلَكَ إِلّا وَهُوَ يَأكُلُ الطَّعَامَ ويَمشِي فِي الأَسواقِ وَلَكَ بِهِم أُسوَةٌ . وَإِنَّمَا قَالَ : « فَإِن كُنتَ فِى شَكٍّ» 5 وَلَم يَكُن شَكٌّ وَلَكِن لِلنَّصَفَةِ كَمَا قَالَ : «تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَآءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ