189
مكاتيب الأئمّة ج6

بَعَثَ اللّهُ مُوسَى بِالعَصَا وَاليَدِ البَيضَاءِ فِي زَمَانٍ الغَالِبُ عَلَى أَهلِهِ السِّحرُ ، فَأَتَاهُم مِن ذَلِكَ مَا قَهَرَ سِحرَهُم وَبَهَرَهُم ۱ ، وَأَثبَتَ الحُجَّةَ عَلَيهِم .
وبَعَثَ عِيسَى بِإبرَاءِ الأَكمَهِ وَالأبرَصِ وَإِحيَاءِ المَوتَى بِإِذنِ اللّهِ فِي زَمَانٍ الغَالِبُ عَلَى أَهلِهِ الطِّبُّ ، فَأَتَاهُم من إبراء الأكمه وَالأَبرَصِ وَإحيَاءِ المَوتَى بِإِذنِ اللّهِ ، فَقَهَرَهُم وَبَهَرَهُم .
وَبَعَثَ مُحَمَّدَاً بِالقُرآنِ وَالسَّيفِ فِي زَمَانٍ الغَالِبُ عَلَى أَهلِهِ السَّيفُ وَالشِّعرُ ، فَأَتَاهُم مِنَ القُرآنِ الزَّاهِرِ وَالسَّيفِ القَاهِرِ مَا بَهَرَ بِهِ شِعرَهُم وَقَهَرَ سَيفَهُم وَأَثبَتَ الحُجَّةَ عَلَيهِم .
فقال ابن السكّيت : فما الحجّة الآن ؟ قال :
العَقلُ ، يُعرَفُ بِهِ الكَاذِبُ عَلَى اللّهِ فَيُكَذَّبُ .

۰.فقال يحيى بن أكثم : ما لابن السكّيت ومناظرته ، وإنّما هو صاحب نحوٍ وشعر ولغة . ورفع قرطاساً فيه مسائل ، فأملى عليّ بن محمّد عليهماالسلام على ابن السكّيت جوابها ، و أمره أن يكتب :سَأَلتَ : عَن قَولِ اللّهِ تَعَالَى : «قَالَ الَّذِى عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَـبِ»۲ ، فَهُوَ آصِفُ بنُ بَرخِيا ، وَلَم يَعجِز سُلَيمَانُ عليه السلام عَن مَعرِفَةِ مَا عَرَفَهُ آصِفُ ، وَلَكِنَّهُ ( صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ ) أَحَبَّ أَن يُعَرِّفَ أُمَّتَهُ مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ أَنَّهُ الحُجَّةُ مِن بَعدِهِ ، وَذلِكَ مِن عِلمِ سُلَيمَانَ عليه السلام أَودَعَهُ آصِفَ بِأَمرِ اللّهِ ، فَفَهَّمَهُ ذَلِكَ لِئَلَا يَختَلِفَ عَلَيهِ فِي إِمَامَتِهِ وَوَلايَتِهِ مِن بَعدِهِ ، وَلِتأكُّدِ الحُجَّةِ عَلَى الخَلقِ .
وَأَمَّا سُجُودُ يَعقُوبَ عليه السلام لِوَلَدِهِ ، فَإِنَّ السُّجُودَ لَم يَكُن لِيُوسُفَ ، وَإنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِن

1.بَهرَ : أي غلب ( لسان العرب : ج ۱ ص ۱۶۵ ) .

2.النمل :۴۰ .


مكاتيب الأئمّة ج6
188

الدُّرُوعَ وَالرِّمَاحَ وَالسُّيُوفَ ، وَيُسنِي لَهُمُ العَطَاءَ ، ويُهَيِّيءُ لَهُمُ الأَنزَالَ ، وَيَعُودُ مَريضَهُم ، وَيَجبُرُ كَسِيرَهُم ، وَيُدَاوِي جَرِيحَهُم ، وَيَحمِلُ رَاجِلَهُم ، وَيَكسُوا حَاسِرَهُم ، وَيَرُدُّهُم فَيَرجِعُونَ إِلَى مُحَارَبَتِهِم وَقِتَالِهِم ، فَلَم يُساوِ بَينَ الفَرِيقَينِ فِيِ الحُكمِ ؛ لِمَا عَرَفَ مِنَ الحُكمِ في قِتَالِ أَهلِ التَّوحِيدِ ، لَكِنَّهُ شَرَحَ ذَلِكَ لَهُم ، فَمَن رَغِبَ عُرِضَ عَلَى السَّيفِ أَو يَتُوبَ مِن ذلِكَ .
وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي اعتَرَفَ بِاللِّواطِ ، فَإنَّهُ لَم تَقُم عَلَيهِ بَيِّنَةٌ ، وَإِنَّمَا تَطَوَّعَ بِالإِقرَارِ مِن نَفسِهِ ، وَإِذَا كَانَ لِلإِمامِ الَّذِي مِنَ اللّهِ أَن يُعاقِبَ عَنِ اللّهِ ، كَانَ لَهُ أَن يَمُنَّ عَنِ اللّهِ ؛ أَما سَمِعتَ قَولَ اللّهِ : «هَـذَا عَطَـآؤُنَا»۱ الآيَة . قَد أَنبَأنَاكَ بِجَمِيعِ مَا سَأَلتَنَا عَنهُ فَاعلَم ذلِكَ . ۲

۰.وفي المناقب : قال المتوكّل لابن السكّيت۳: اسأل ابن الرضا مسألة عوصاء بحضرتي ، فسأله فقال : لِمَ بعث اللّه موسى بالعصا ؟ وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى ؟ وبعث محمّداً بالقرآن والسيف ؟ فقال أبو الحسن عليه السلام :

1.ص :۳۹ .

2.تحف العقول : ص ۴۷۶ ، الاختصاص : ص۹۱ ، بحار الأنوار : ج۱۰ ص۳۸۶ ح۱ ، وراجع : الكافي : ج۷ ص۱۵۸ ح۱ ، تهذيب الأحكام : ج۹ ص۴۳ ح۱۸۲ ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج۱ ص۲۰۳ ح۹۲۶ ، الاحتجاج : ج۲ ص۴۹۹ ح۳۳۱ ، علل الشرائع : ص۱۲۹ ح۱ ، الغيبة للطوسي : ص۱۲۴ ، تحف العقول : ص۴۷۶ ، تفسير العيّاشي : ج۱ ص۱۷۶ وج۲ ص۹ ح۸ وص۱۲۸ ح۴۲ وص۱۹۷ ح۸۲ ، تفسير القمّي : ج۲ ص۲۷۸ وج۱ ص۳۵۶ .

3.يعقوب بن السكّيت : الإمام في العربيّة . السكّيت : بكسر السين المهملة و الكاف المشدّد ، عُرف بذلك لأنّه كان كثير السكوت طويل الصمت ، من الغالين ، قتله المتوكّل لأنّه ندبه إلى تعليم أولاده ، نظر المتوكّل يوماً إلى ولده المعتزّ و المؤيّد فقال لابن السكّيت : مَن أحبّ إليك ، هما أو الحسن والحسين ؟ فقال : قنبر ـ يعني مولى عليّ ـ خيرٌ منهما . فأمر الأتراك فداسوا بطنه حتّى مات ، و قيل : أمر بسلّ لسانه فمات ، و أرسل إلى ابنه بديّته ( راجع : تاريخ الخلفاء : ص ۴۰۹ ، الكنى و الألقاب : ج۱ ص۳۱۴ ، وفيات الأعيان : ج۶ ص۴۰۰ ، معجم الأدباء : ج۶ ص۲۸۴۱ ) .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج6
    المساعدون :
    الفرجي، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 127809
الصفحه من 453
طباعه  ارسل الي