وَهذِهِ الشَّوَاهِدُ الأُخَرُ ، لَزِمَ عَلَى الأُمَّةِ الإقرَارُ بِها ضَرُورَةً ، إِذ كانَت هذِهِ الأَخبَارُ شَواهِدُها مِنَ القُرآنِ ناطِقَةٌ ، وَوافَقَتِ القُرآنَ وَالقُرآنُ وَافَقَهَا . ثُمَّ وَرَدَت حَقائِقُ الأَخبارِ مِن رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَنِ الصَّادِقِينَ عليهم السلام ، وَنَقَلَها قَومٌ ثِقاتٌ مَعرُوفُونَ ، فَصَارَ الاقتِدَاءُ بِهَذِهِ الأَخبَارِ فَرضاً وَاجِباً عَلَى كُلِّ مُؤمِنٍ وَمُؤمِنَةٍ لا يَتَعَدَّاهُ إِلَا أَهلُ العِنادِ ، وَذَلِكَ أَنَّ أَقاوِيلَ آلِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُتَّصِلَةٌ بِقَولِ اللّهِ ، وَذَلِكَ مِثلُ قَولِهِ فِي مُحكَمِ كِتَابِهِ : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِيناً »۱ ، وَوَجَدنا نَظيرَ هَذِهِ الآيَةِ قَولَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «مَن آذَى عَلِيَّاً فَقَد آذَانِي ، وَمَن آذَانِي فَقَد آذَى اللّهَ ، وَمَن آذَى اللّهَ يُوشِكُ أَن يَنتَقِمَ مِنهُ » ، وَكَذلِكَ قَولُهُ صلى الله عليه و آله : «مَن أَحَبَّ عَلِيَّاًفَقَد أَحَبَّنِي ، وَمَن أَحَبَّنِي فَقَد أَحَبَّ اللّهَ » ، وَمِثلُ قَولِهِ صلى الله عليه و آله في بَنِي وَليعَةَ ۲ : « لَأَبعَثَنَ إلَيهِم رَجُلاً كَنَفسِي ، يُحِبُّ اللّهَ وَرَسُولَهُ ، وَيُحِبُّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ، قُم يا عَلِيُّ فَسِر إِلَيهِم » . وَقَولِهِ صلى الله عليه و آله يَومُ خَيبَرَ : «لَأَبعَثَنَّ إِلَيهِم غَدَاً رَجُلَاً يُحِبُّ اللّهَ وَرَسُولَهُ ، وَيُحِبُّهُ اللّهُوَرَسُولُهُ ، كَرَّاراً غَيرَ فَرَّارٍ ، لا يَرجِعُ حَتَّى يَفتَحَ اللّهُ عَلَيهِ » .
فَقَضَى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالفَتحِ قَبلَ التَّوجِيهِ ، فَاستَشرَفَ لِكَلامِهِ أَصحَابُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ دَعَا عَلِيَّاً عليه السلام فَبَعَثَهُ إِلَيهِم ، فَاصطَفَاهُ بِهَذِهِ المَنقَبَةِ ، وَسَمَّاهُ كَرَّارَاً غَيرَ فَرَّارٍ ، فَسَمّاهُ اللّهُ مُحِبَّاً للّهِِ وَلِرَسُولِهِ ، فَأَخبَرَ أَنَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُحِبَّانِهِ .
وَ إِنَّما قَدَّمَنا هَذَا الشَّرحَ وَالبَيَانَ دَلِيلَاً عَلَى مَا أَرَدنا ، وَقُوَّةً لِمَا نَحنُ مُبَيِّنُوهُ مِن أَمرِ الجَبرِ وَالتَّفوِيضِ وَالمَنزِلَةِ بَينَ المَنزِلَتَينِ ، وَبِاللّهِ العَونُ وَالقُوَّةُ ، وَعَلَيهِ نَتَوَكَّلُ فِي جَمِيع أُمُورِنا ، فَإنَّا نَبدَأ مِن ذَلِكَ بِقَولِ الصَّادِقِ عليه السلام : « لا جَبرَ وَلا تَفوِيضَ ، وَلَكِن مَنزِلَةٌ بَينَ المَنزِلَتَينِ ، وَهَيَ صِحَّةُ الخِلقَةِ ، وَتَخلِيَةُ السَّربِ ۳ ، وَالمُهلَةُ في الوَقتِ ، وَالزَّادُ مِثلُ الرَّاحِلَةِ ، وَالسَّبَبُ المُهَيِّجُ لِلفَاعِلِ عَلَى فِعلِهِ » .