23
مكاتيب الأئمّة ج6

وَهذِهِ الشَّوَاهِدُ الأُخَرُ ، لَزِمَ عَلَى الأُمَّةِ الإقرَارُ بِها ضَرُورَةً ، إِذ كانَت هذِهِ الأَخبَارُ شَواهِدُها مِنَ القُرآنِ ناطِقَةٌ ، وَوافَقَتِ القُرآنَ وَالقُرآنُ وَافَقَهَا . ثُمَّ وَرَدَت حَقائِقُ الأَخبارِ مِن رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عَنِ الصَّادِقِينَ عليهم السلام ، وَنَقَلَها قَومٌ ثِقاتٌ مَعرُوفُونَ ، فَصَارَ الاقتِدَاءُ بِهَذِهِ الأَخبَارِ فَرضاً وَاجِباً عَلَى كُلِّ مُؤمِنٍ وَمُؤمِنَةٍ لا يَتَعَدَّاهُ إِلَا أَهلُ العِنادِ ، وَذَلِكَ أَنَّ أَقاوِيلَ آلِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُتَّصِلَةٌ بِقَولِ اللّهِ ، وَذَلِكَ مِثلُ قَولِهِ فِي مُحكَمِ كِتَابِهِ : «إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِى الدُّنْيَا وَ الْأَخِرَةِ وَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِيناً »۱ ، وَوَجَدنا نَظيرَ هَذِهِ الآيَةِ قَولَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «مَن آذَى عَلِيَّاً فَقَد آذَانِي ، وَمَن آذَانِي فَقَد آذَى اللّهَ ، وَمَن آذَى اللّهَ يُوشِكُ أَن يَنتَقِمَ مِنهُ » ، وَكَذلِكَ قَولُهُ صلى الله عليه و آله : «مَن أَحَبَّ عَلِيَّاًفَقَد أَحَبَّنِي ، وَمَن أَحَبَّنِي فَقَد أَحَبَّ اللّهَ » ، وَمِثلُ قَولِهِ صلى الله عليه و آله في بَنِي وَليعَةَ ۲ : « لَأَبعَثَنَ إلَيهِم رَجُلاً كَنَفسِي ، يُحِبُّ اللّهَ وَرَسُولَهُ ، وَيُحِبُّهُ اللّهُ وَرَسُولُهُ ، قُم يا عَلِيُّ فَسِر إِلَيهِم » . وَقَولِهِ صلى الله عليه و آله يَومُ خَيبَرَ : «لَأَبعَثَنَّ إِلَيهِم غَدَاً رَجُلَاً يُحِبُّ اللّهَ وَرَسُولَهُ ، وَيُحِبُّهُ اللّهُوَرَسُولُهُ ، كَرَّاراً غَيرَ فَرَّارٍ ، لا يَرجِعُ حَتَّى يَفتَحَ اللّهُ عَلَيهِ » .
فَقَضَى رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِالفَتحِ قَبلَ التَّوجِيهِ ، فَاستَشرَفَ لِكَلامِهِ أَصحَابُ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله . فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ دَعَا عَلِيَّاً عليه السلام فَبَعَثَهُ إِلَيهِم ، فَاصطَفَاهُ بِهَذِهِ المَنقَبَةِ ، وَسَمَّاهُ كَرَّارَاً غَيرَ فَرَّارٍ ، فَسَمّاهُ اللّهُ مُحِبَّاً للّهِِ وَلِرَسُولِهِ ، فَأَخبَرَ أَنَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ يُحِبَّانِهِ .
وَ إِنَّما قَدَّمَنا هَذَا الشَّرحَ وَالبَيَانَ دَلِيلَاً عَلَى مَا أَرَدنا ، وَقُوَّةً لِمَا نَحنُ مُبَيِّنُوهُ مِن أَمرِ الجَبرِ وَالتَّفوِيضِ وَالمَنزِلَةِ بَينَ المَنزِلَتَينِ ، وَبِاللّهِ العَونُ وَالقُوَّةُ ، وَعَلَيهِ نَتَوَكَّلُ فِي جَمِيع أُمُورِنا ، فَإنَّا نَبدَأ مِن ذَلِكَ بِقَولِ الصَّادِقِ عليه السلام : « لا جَبرَ وَلا تَفوِيضَ ، وَلَكِن مَنزِلَةٌ بَينَ المَنزِلَتَينِ ، وَهَيَ صِحَّةُ الخِلقَةِ ، وَتَخلِيَةُ السَّربِ ۳ ، وَالمُهلَةُ في الوَقتِ ، وَالزَّادُ مِثلُ الرَّاحِلَةِ ، وَالسَّبَبُ المُهَيِّجُ لِلفَاعِلِ عَلَى فِعلِهِ » .

1.الأحزاب :۵۷ .

2.بنو وليعة ـ كسفينة ـ : حيّ من كندة .

3.السرب بالفتح : الطريق والصدر . وبالكسر أيضاً : الطريق والقلب . وبالتحريك : الماء السائل .


مكاتيب الأئمّة ج6
22

إِمَّا حَقٌّ فَيُتَّبَعُ ، وَإِمَّا باطِلٌ فَيُجتَنَبُ . وَقَدِ اجتَمَعَتِ الأُمَّةُ قَاطِبَةً لَا اختِلافَ بَينَهُم أَنَّ القُرآنَ حَقٌّ لا رَيبَ فيهِ عِندَ جَمِيعِ أَهلِ الفِرَقِ ، وَفِي حَالِ اجتِماعِهِم مُقِرُّونَ بِتَصدِيقِ الكِتَابِ وَتَحقِيقِهِ ، مُصِيبُونَ ، مُهتَدُونَ ، وَذلِكَ بِقَولِ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله : «لا تَجتَمِعُ أُمَّتِي عَلَى ضَلَالَةٍ » . فَأَخبَرَ أَنَّ جَمِيعَ مَا اجتَمَعَت عَلَيهِ الأُمَّةُ كُلُّهَا حَقٌّ ، هَذَا إِذَا لَم يُخالِف بَعضُها بَعضاً .
وَالقُرآنُ حَقٌّ لَا اختِلافَ بَينَهُم فِي تَنزِيلِهِ وَتَصدِيقِهِ ، فَإِذَا شَهِدَ القُرآنُ بِتَصدِيقِ خَبَرٍ وَتَحقِيقِهِ ، وَأَنكَرَ الخَبَرَ طَائِفَةٌ مِنَ الأُمَّةِ ، لَزِمَهُمُ الإِقرارُ بِهِ ضَرُورَةً حِينَ اجتَمَعَت في الأَصلِ عَلَى تَصدِيقِ الكِتَابِ ، فَإِن هِيَ جَحَدَت وَأَنكَرَت لَزِمَهَا الخُرُوجُ مِنَ المِلَّةِ .
فَأَوَّلُ خَبَرٍ يُعرَفُ تَحقِيقُهُ مِنَ الكِتَابِ وَتَصدِيقُهُ وَالتِمَاسُ شَهَادَتِهِ عَلَيهِ ، خَبَرٌ وَرَدَ عَن رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وَوُجِدَ بِمُوافَقَةِ الكِتَابِ وَتَصدِيقِهِ ، بِحَيثُ لا تُخالِفُهُ أَقَاوِيلُهُم ؛ حَيثُ قَالَ : « إِنِّي مُخَلِّفٌ فِيكُمُ الثَّقَلَينِ : كِتابَ اللّهِ ، وَعِترَتي أَهلَ بَيتِي ، لَن تَضِلُّوا مَاتَمَسَّكتُم بِهِمَا ، وَإِنَّهُمَا لَن يَفتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوضَ » .
فَلَمَّا وَجَدنَا شَواهِدَ هَذَا الحَدِيثِ فِي كِتَابِ اللّهِ نَصَّاً مِثلَ قَولِهِ جَلَّ وَعَزَّ : « إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَوةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَوةَ وَهُمْ رَ كِعُونَ * وَمَن يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَــلِبُونَ »۱ ، وَرَوَتِ العَامَّةُ فِي ذَلِكَ أَخبَاراً لِأَمِيرِ المُؤمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ وَهُو رَاكِعٌ ، فَشَكَرَ اللّهُ ذَلِكَ لَهُ وَأَنزَلَ الآيَةَ فِيهِ ، فَوَجَدنَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قَد أَتَى بِقَولِهِ : « مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَليٌّ مَولاهُ » ، وَبِقَولِهِ : « أَنتَ مِنِّي بِمَنزِلَةِ هَارُونَ مِن مُوسَى ، إِلَا أَنَّهُ لا نَبِيَّ بَعدِي » ، وَوَجَدناهُ يَقُولُ : « عَليٌّ يَقضِي دَينِي ، وَ يُنجِزُ مَوعِدِي ، وَهُوَ خَليفَتي عَلَيكُم مِن بَعدِي » .
فَالخَبَرُ الأَوَّلُ الَّذِي استُنبِطَت مِنهُ هذِهِ الأَخبَارُ خَبَرٌ صَحِيحٌ مُجمَعٌ عَلَيهِ لَا اختِلافَ فِيهِ عِندَهُم ، وَهُوَ أَيضاً مُوافِقٌ لِلكِتَابِ ؛ فَلَمَّا شَهِدَ الكِتابُ بِتَصدِيقِ الخَبَرِ

1.المائدة : ۵۶ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج6
    المساعدون :
    الفرجي، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 129885
الصفحه من 453
طباعه  ارسل الي