25
مكاتيب الأئمّة ج6

العِبَادَ عَلَى المَعاصِي وَعَاقَبَهُم عَلَيهَا ، وَمَن قَالَ بِهَذَا القَولِ فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ فِي حُكمِهِ وَكَذَّبَهُ ، وَرَدَّ عَلَيهِ قَولَهُ : «وَلَا يَظْـلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا »۱ ، وَقَولَهُ : « ذَ لِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَـلَّـمٍ لِّلْعَبِيدِ »۲ ، وَقَولَهُ : « إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْـلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَ لَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْـلِمُونَ »۳ ، مَع آيٍ كَثيرَةٍ فِي ذِكرِ هَذَا .
فَمَن زَعَم أنَّهُ مُجبَرٌ عَلَى المَعَاصِي فَقَد أَحَالَ بِذَنبِهِ عَلَى اللّهِ وَقَد ظَلَّمَه فِي عُقُوبَتِهِ ، وَمَن ظَلَّم اللّهَ فَقَد كَذَّبَ كِتَابَهُ ، وَمَن كَذَّبَ كِتابَهُ فَقَد لَزِمَهُ الكُفرُ بِاجتِمَاعِ الأُمَّةِ ، وَمَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبدَاً مَملُوكاً لا يَملِكُ نَفسَهُ وَلا يَملِكُ عَرَضاً مِن عَرَضِ الدُّنيا ، وَيَعلَمُ مَولاهُ ذَلِكَ مِنهُ ، فَأَمَرَهُ عَلى عِلمٍ مِنهُ بِالمَصِيرِ إلَى السُّوقِ لِحَاجَةٍ يَأَتِيهِ بِهَا ، وَلَم يُمَلِّكهُ ثَمَنَ ما يَأتيهِ بِه مِن حَاجَتِهِ ، وَعَلِمَ المَالِكُ أنَّ عَلَى الحَاجَةِ رَقيباً لا يَطمَعُ أَحَدٌ فِي أَخذِها مِنهُ إِلَا بِمَا يَرضَى بِهِ مِنَ الثَّمَنِ ، وَقَد وَصَفَ مَالِكُ هَذَا العَبدِ نَفسَهُ بِالعَدلِ وَالنَّصِفَةِ وَإِظهَارِ الحِكمَةِ وَنَفيِ الجَورَ ، وَأَوعَدَ عَبدَهُ إن لَم يَأتِهِ بِحَاجَتِهِ أَن يُعاقِبَهُ ، عَلَى عِلمٍ مِنهُ بِالرَّقِيبِ الَّذِي عَلَى حَاجَتِهِ أَنَّه سَيَمنَعُهُ ، وَعَلِمَ أَنَّ المَملُوكَ لا يَملِكُ ثَمَنَها وَلَم يُمَلِّكهُ ذَلِكَ ، فَلَمَّا صَارَ العَبدُ إِلَى السُّوقِ وَجَاءَ لِيَأخُذَ حَاجَتَهُ الَّتي بَعَثَهُ المَولَى لَهَا ، وَجَدَ عَلَيهَا مَانِعاً يَمنَعُ مِنهَا إِلَا بِشِراءٍ ، وَلَيسَ يَملِكُ العَبدُ ثَمَنَها ، فَانصَرَفَ إلَى مَولاهُ خائِباً بِغَيرِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ ، فَاغتَاظَ مَولاهُ مِن ذَلِكَ وَعَاقَبَهُ عَلَيهِ .
أ لَيسَ يَجِبُ في عَدلِهِ وحُكمِهِ أَن لا يُعاقِبَهُ ، وَهُوَ يَعلَمُ أَنَّ عَبدَهُ لا يَملِكُ عَرَضاً مِن عُرُوضِ الدُّنيا ، وَلَم يُمَلِّكه ثَمَنَ حَاجَتِهِ ؟ فَإِن عَاقَبَهُ عاقَبَهُ ظَالِماً مُتَعَدِّياً عَلَيهِ ، مُبطِلاً لِمَا وَصَفَ مِن عَدلِهِ وَحِكمَتِهِ وَنِصفَتِهِ ، وَإِن لَم يُعاقِبهُ كَذَّبَ نَفسَهُ في وَعيدِهِ إِيَّاهُ حِينَ أَوعَدَهُ بِالكِذبِ وَالظُّلمِ اللَّذينِ يَنفِيَانِ العَدلَ وَالحِكمَةَ . تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ

1.الكهف :۴۹ .

2.الحج :۱۰ .

3.يونس :۴۴ .


مكاتيب الأئمّة ج6
24

فَهَذِهِ خَمسَةُ أَشيَاءَ جَمَعَ بِهِ الصَّادِقُ عليه السلام جَوامِعَ الفَضلِ ، فَإِذَا نَقَصَ العَبدُ مِنهَا خَلَّةً ، كَانَ العَمَلُ عَنهُ مَطرُوحاً بِحَسَبِهِ ، فَأَخبَرَ الصَّادِقُ عليه السلام بِأصلِ ما يَجِبُ عَلَى النَّاسِ مِن طَلَبِ مَعرِفَتِهِ وَنَطَقَ الكِتَابُ بِتَصدِيقِهِ ، فَشَهِدَ بِذَلِكَ مُحكَمَاتُ آيَاتِ رَسُولِهِ ؛ لِأَنَّ الرَّسُولَ صلى الله عليه و آله وَآلَهُ عليهم السلام لا يَعِدُونَ شَيئاً مِن قَولِهِ ، وَأَقاوِيلُهُم حُدُودُ القُرآنِ ، فَإذَا وَرَدَت حَقَائِقُ الأَخبَارِ وَالتُمِسَت شَواهِدُها مِنَ التَّنزِيلِ فَوُجِدَ لَهَا مُوَافِقاً وَعَلَيهَا دَلِيلَاً ، كَانَ الاِقتِداءُ بِهَا فَرضاً ، لا يَتَعَدَّاهُ إِلَا أَهلُ العِنادِ ، كَمَا ذَكَرنَا فِي أَوَّلِ الكِتَابِ .
وَلَمَّا التَمَسنَا تَحقِيقَ مَا قَالَهُ الصَّادِقُ عليه السلام مِنَ المَنزِلَةِ بَينَ المَنزِلَتَينِ وَإِنكَارِهِ الجَبرَ وَالتَّفوِيضَ ، وَجَدنَا الكِتَابَ قَد شَهِدَ لَهُ وَصَدَّقَ مَقالَتَهُ في هَذا . وَخَبَرٌ عَنهُ أيضاً مُوافِقٌ لِهَذَا ، أَنَّ الصَّادِقَ عليه السلام سُئِلَ هَل أَجبَرَ اللّهُ العِبَادَ عَلَى المَعَاصِيَ ؟ فَقَالَ الصَّادِقُ عليه السلام : هُوَ أَعدَلُ مِن ذَلِكَ ، فَقِيلَ لَهُ فَهَل فَوَّضَ إِلَيهِم ؟ فَقَالَ عليه السلام : هُوَ أَعَزُّ وَأَقهَرُ لَهُم مِن ذَلِكَ .
وَرُوِيَ عَنهُ أَنَّهُ قَالَ : « النَّاسُ فِي القَدَرِ عَلَى ثَلاثَةِ أَوجُهٍ : رَجُلٌ يَزعُمُ أَنَّ الأَمرَمُفَوَّضٌ إِلَيهِ ، فَقَد وَهَّنَ اللّهَ فِي سُلطَانِهِ ، فَهُوَ هَالِكٌ . وَرَجُلٌ يَزعُمُ أنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ أَجبَرَ العِبَادَ عَلَى المَعَاصِيَ ، وَكَلَّفَهُم مَا لا يُطِيقُونَ ، فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ فِي حُكمِهِ ، فَهُوَ هَالِكٌ . وَرَجُلٌ يَزعُمُ أَنَّ اللّهَ كَلَّفَ العِبَادَ ما يُطيقُونَ وَلَم يُكلِّفهُم ما لا يُطِيقُونَ ، فَإذَا أَحسَنَ حَمِدَ اللّهَ ، وَإِذَا أَسَاءَ استَغفَرَ اللّهَ ، فَهَذَا مُسلِمٌ بالِغٌ ، فَأَخبَرَ عليه السلام أَنَّ مَن تَقَلَّدَ الجَبرَ وَالتَّفوِيضَ وَدَانَ بِهِمَا ، فَهُوَ عَلَى خِلافِ الحَقِّ .
فَقَد شَرَحتُ الجَبرَ الَّذِي مَن دَانَ بِهِ يَلزَمُهُ الخَطَأُ ، وَأَنَّ الَّذِي يَتَقَلَّدُ التَّفوِيضَ يَلزَمُهُ البَاطِلُ ، فَصَارَتِ المَنزِلَةُ بَينَ المَنزِلَتَينِ بَينَهُما .
ثُمَّ قَالَ عليه السلام : وَأَضرِبُ لِكُلِّ بَابٍ مِن هَذِهِ الأَبوَابِ مَثَلاً ، يُقرِّبُ المَعنَى لِلطَّالِبِ ، وَيُسَهِّلُ لَهُ البَحثَ عَن شَرحِهِ ، تَشهَدُ بِهِ مُحكَمَاتُ آيَاتِ الكِتَابِ ، وَتَحَقَّقَ تَصدِيقُهُ عِندَ ذَوِي الأَلبَابِ ، وَبِاللّهِ التَّوفِيقُ وَالعِصمَةُ .
فَأَمَّا الجَبرُ الَّذِي يَلزَمُ مَن دَانَ بِهِ الخَطَأُ ، فَهُوَ قَولُ مَن زَعَمَ أَنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ أَجبَرَ

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج6
    المساعدون :
    الفرجي، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 129770
الصفحه من 453
طباعه  ارسل الي