العِبَادَ عَلَى المَعاصِي وَعَاقَبَهُم عَلَيهَا ، وَمَن قَالَ بِهَذَا القَولِ فَقَد ظَلَّمَ اللّهَ فِي حُكمِهِ وَكَذَّبَهُ ، وَرَدَّ عَلَيهِ قَولَهُ : «وَلَا يَظْـلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا »۱ ، وَقَولَهُ : « ذَ لِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَـلَّـمٍ لِّلْعَبِيدِ »۲ ، وَقَولَهُ : « إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْـلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَ لَـكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْـلِمُونَ »۳ ، مَع آيٍ كَثيرَةٍ فِي ذِكرِ هَذَا .
فَمَن زَعَم أنَّهُ مُجبَرٌ عَلَى المَعَاصِي فَقَد أَحَالَ بِذَنبِهِ عَلَى اللّهِ وَقَد ظَلَّمَه فِي عُقُوبَتِهِ ، وَمَن ظَلَّم اللّهَ فَقَد كَذَّبَ كِتَابَهُ ، وَمَن كَذَّبَ كِتابَهُ فَقَد لَزِمَهُ الكُفرُ بِاجتِمَاعِ الأُمَّةِ ، وَمَثَلُ ذَلِكَ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبدَاً مَملُوكاً لا يَملِكُ نَفسَهُ وَلا يَملِكُ عَرَضاً مِن عَرَضِ الدُّنيا ، وَيَعلَمُ مَولاهُ ذَلِكَ مِنهُ ، فَأَمَرَهُ عَلى عِلمٍ مِنهُ بِالمَصِيرِ إلَى السُّوقِ لِحَاجَةٍ يَأَتِيهِ بِهَا ، وَلَم يُمَلِّكهُ ثَمَنَ ما يَأتيهِ بِه مِن حَاجَتِهِ ، وَعَلِمَ المَالِكُ أنَّ عَلَى الحَاجَةِ رَقيباً لا يَطمَعُ أَحَدٌ فِي أَخذِها مِنهُ إِلَا بِمَا يَرضَى بِهِ مِنَ الثَّمَنِ ، وَقَد وَصَفَ مَالِكُ هَذَا العَبدِ نَفسَهُ بِالعَدلِ وَالنَّصِفَةِ وَإِظهَارِ الحِكمَةِ وَنَفيِ الجَورَ ، وَأَوعَدَ عَبدَهُ إن لَم يَأتِهِ بِحَاجَتِهِ أَن يُعاقِبَهُ ، عَلَى عِلمٍ مِنهُ بِالرَّقِيبِ الَّذِي عَلَى حَاجَتِهِ أَنَّه سَيَمنَعُهُ ، وَعَلِمَ أَنَّ المَملُوكَ لا يَملِكُ ثَمَنَها وَلَم يُمَلِّكهُ ذَلِكَ ، فَلَمَّا صَارَ العَبدُ إِلَى السُّوقِ وَجَاءَ لِيَأخُذَ حَاجَتَهُ الَّتي بَعَثَهُ المَولَى لَهَا ، وَجَدَ عَلَيهَا مَانِعاً يَمنَعُ مِنهَا إِلَا بِشِراءٍ ، وَلَيسَ يَملِكُ العَبدُ ثَمَنَها ، فَانصَرَفَ إلَى مَولاهُ خائِباً بِغَيرِ قَضَاءِ حَاجَتِهِ ، فَاغتَاظَ مَولاهُ مِن ذَلِكَ وَعَاقَبَهُ عَلَيهِ .
أ لَيسَ يَجِبُ في عَدلِهِ وحُكمِهِ أَن لا يُعاقِبَهُ ، وَهُوَ يَعلَمُ أَنَّ عَبدَهُ لا يَملِكُ عَرَضاً مِن عُرُوضِ الدُّنيا ، وَلَم يُمَلِّكه ثَمَنَ حَاجَتِهِ ؟ فَإِن عَاقَبَهُ عاقَبَهُ ظَالِماً مُتَعَدِّياً عَلَيهِ ، مُبطِلاً لِمَا وَصَفَ مِن عَدلِهِ وَحِكمَتِهِ وَنِصفَتِهِ ، وَإِن لَم يُعاقِبهُ كَذَّبَ نَفسَهُ في وَعيدِهِ إِيَّاهُ حِينَ أَوعَدَهُ بِالكِذبِ وَالظُّلمِ اللَّذينِ يَنفِيَانِ العَدلَ وَالحِكمَةَ . تَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ