يُجِز لَهُم آراءَهُم ، حَيثُ يَقُولُ : «أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَ رَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ »۱ ، وَ لِذلِكَ اختَارَ مِنَ الأُمُورِ مَا أَحَبَّ ، وَنَهَى عَمَّا كَرِهَ ، فَمَن أَطَاعَهُ أَثَابَهُ ، وَمَن عَصَاهُ عَاقَبَهُ ، وَلَو فَوَّضَ اختِيارَ أَمرِهِ إِلَى عِبَادِهِ لَأَجَازَ لِقُرَيشٍ اختِيارَ اُمَيَّةَ بنِ أَبِي الصَّلتِ وَأَبِي مَسعُودٍ الثَّقَفيِّ ، إِذ كَانَا عِندَهُم أَفضَلَ مِن مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله .
فَلَمَّا أَدَّبَ اللّهُ المُؤمِنينَ بِقَولِهِ : «وَ مَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ»۲ فَلَم يُجِز لَهُمُ الاِختِيارَ بِأَهوَائِهِم ، وَلَم يَقبَل مِنهُم إِلَا اتِّبَاعَ أَمرِهِ وَاجتِنَابَ نَهيِهِ عَلَى يَدَي مَنِ اصطَفَاهُ ، فَمَن أَطَاعَهُ رَشَدَ ، وَمَن عَصَاهُ ضَلَّ وَغَوَى ، وَلَزِمَتهُ الحُجَّةُ بِمَا مَلَّكَهُ مِنَ الاِستِطَاعَةِ لِاتِّبَاعِ أَمرِهِ وَاجتِنَابِ نَهيِهِ ، فَمَن أَجلِ ذَلِكَ حَرَمَهُ ثَوَابَهُ وَأَنزَلَ بِهِ عِقَابَهُ .
وَهَذَا القَولُ بَينَ القَولَينِ لَيسَ بِجَبرٍ وَلا تَفويضٍ ، وَبِذَلِكَ أَخبَرَ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِ عَبَايَةَ بنَ رَبعِيِّ الأَسَدِيِّ ۳ ، حِينَ سَأَلَهُ عنِ الاِستِطَاعَةِ الَّتِي بِهَا يَقُومُ وَيَقعُدُ وَيَفعَلُ ، فَقالَ لَهُ أَميرُ المُؤمِنِينَ عليه السلام : سَأَلتَ عَنِ الاِستِطَاعَةِ تَملِكُهَا مِن دُونِ اللّهِ أَو مَعَ اللّهِ ؟ فَسَكَتَ عَبَايَةُ ، فَقَالَ لَهُ أَميرُ المُؤمِنِينَ عليه السلام : قُل يا عَبَايَةُ ، قَالَ : وَمَا أَقُولُ؟ قَالَ عليه السلام : إِن قُلتَ : إِنَّكَ تَملِكُها مَعَ اللّهِ قَتَلتُكَ ، وَإِن قُلتَ : تَملِكُها دُونَ اللّهِ قَتَلتُكَ . قَالَ عَبَايَةُ : فَمَا أقُولُ يا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ؟ قَالَ عليه السلام : تَقُولُ إِنَّكَ تَملِكُها بِاللّهِ الَّذِي يَملِكُها مِن دُونِكَ ، فَإن يُمَلِّكهَا إِيَّاكَ كَانَ ذَلِكَ مِن عَطَائِهِ ، وَإِن يَسلُبكَهَا كَانَ ذَلِكَ مِن بَلائِهِ ، هُوَ