33
مكاتيب الأئمّة ج6

تَخيِيراً ، وَنَهَى تَحذِيرَاً ، وَلَم يُطَع مُكرَهاً ، وَلم يُعصَ مَغلُوباً ، وَلَم يَخلُقِ السَّماوَاتِ وَالأَرضَ وَما بَينَهُمَا باطِلاً ، ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا ، فَوَيلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ .
فَقَامَ الشَّيخُ فَقَبَّلَ رَأسَ أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عليه السلام وَأَنشَأَ يَقُولُ :

أَنتَ الإِمَامُ الَّذِي نَرجُو بِطَاعَتِهِ
يَومَ النَّجَاةِ مِنَ الرَّحمنِ غُفرَاناً

أَوضَحتَ مِن دِينِنَا ما كَانَ مُلتَبِساً
جَزَاكَ رَبُّكَ عَنَّا فِيهِ رِضوَاناً

فَلَيسَ مَعذِرَةٌ فِي فِعلِ فَاحِشَةٍ
قَد كُنتُ رَاكِبَها ظُلماً وَعِصياناً

فَقَد دَلَّ أَمِيرُ المُؤمِنِينَ عليه السلام عَلَى مُوافَقَةِ الكِتَابِ ، وَنَفي الجَبرِ وَالتَّفويضِ اللَّذَينِ يَلزَمَانِ مَن دَانَ بِهِمَا وَتَقَلَّدَهُمَا البَاطِلَ وَالكُفرَ وَتَكذِيبَ الكِتَابِ ، وَنَعُوذُ بِاللّهِ مِنَ الضَّلالَةِ وَالكُفرِ ، وَلَسنَا نَدِينُ بِجَبرٍ وَلا تَفوِيضٍ ، لَكِنَّا نَقُولُ بِمَنزِلَةٍ بَينَ المَنزِلَتَينِ ، وَهُوَ الامتِحَانُ وَالاختِبَارُ بِالاِستِطَاعَةِ الَّتِي مَلَّكَنَا اللّهُ وَتَعَبَّدَنَا بِهَا ، عَلَى ما شَهِدَ بِهِ الكِتَابُ ، وَدَانَ بِهِ الأَئِمَّةُ الأَبرَارُ مِن آلِ الرَّسُولِ صَلَوَاتُ اللّهِ عَلَيهِم .
وَمَثَلُ الاِختِبَارِ بِالاِستِطَاعَةِ مَثَلُ رَجُلٍ مَلَكَ عَبدَاً وَمَلَكَ مالَاً كَثيرَاً ، أَحَبَّ أَن يَختَبِرَ عَبدَهُ عَلَى عِلمٍ مِنهُ بِمَا يَؤُولُ إِلَيهِ ، فَمَلَّكَهُ مِن مالِهِ بَعضَ ما أَحَبَّ ، وَوَقَفَهُ عَلَى أُمُورٍ عَرَّفَهَا العَبدَ ، فَأَمَرَهُ أَن يَصرِفَ ذَلِكَ المَالَ فِيهَا ، وَنَهاهُ عَن أَسبابٍ لَم يُحِبُّها ، وَتَقَدَّم إِلَيهِ أَن يَجتَنِبَهَا ، وَلا يُنفِقَ مِن مَالِهِ فِيهَا ، وَالمَالُ يُتَصرَّفُ فِي أَيِّ الوَجهَينِ ، فَصَرَفَ المَالَ أَحَدُهُمَا فِي اِتِّبَاعِ أَمرِ المَولَى وَرِضَاهُ ، وَالآخَرُ صَرَفَهُ فِى¨ اتِّبَاعِ نَهيِهِ وَسَخَطِهِ ، وَأَسكَنَهُ دَارَ اختِبَارٍ أَعلَمَهُ أَنَّهُ غَيرُ دَائِمٍ لَهُ السُّكنَى فِي الدَّارِ ، وَأَنَّ لَهُ دَارَاً غَيرَهَا وَهُوَ مُخرِجُهُ إلَيهَا ، فِيهَا ثَوَابٌ وعِقَابٌ دَائِمانِ ، فَإِن أَنفَذَ العَبدُ المَالَ الَّذِى¨ مَلَّكَهُ مَولاهُ فِي الوَجهِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ ، جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ الثَّوابَ الدَّائِمَ فِي تِلكَ الدَّارِ الَّتِي أَعلَمَهُ أَنَّهُ مُخرِجُهُ إِلَيهَا ، وَإِن أَنفَقَ المَالَ فِي الوَجهِ الَّذِي نَهَاهُ عَن إِنفاقِهِ فِيهِ ، جَعَلَ لَهُ ذَلِكَ العِقَابَ الدَّائِمَ في دَارِ الخُلُودِ ، وَقَد حَدَّ المَولَى فِي ذَلِكَ حَدَّاً مَعرُوفاً ، وَهُوَ المَسكَنُ الَّذِي أَسكَنَهُ فِي الدَّارِ الأُولَى ، فَإِذا بَلَغَ الحَدَّ استَبدَلَ المَولَى بِالمَالِ وَبالعَبدِ ، عَلَى أَنَّهُ لَم يَزَل مالِكاً لِلمَالِ وَالعَبدِ فِي الأَوقَاتِ كُلِّها ، إِلَا أَنَّهُ وَعَدَ أَن لا يَسلُبُهُ ذلِكَ المَالَ ما كَانَ فِي تِلكَ الدَّارِ الأُولَى إِلَى أَن يَستَتِمَّ سُكنَاهُ فِيهَا ، فَوَفَى لَهُ ؛


مكاتيب الأئمّة ج6
32

المَالِكَ لِمَا مَلَّكَكَ ، وَالقَادِرُ عَلَى مَا عَلَيهِ أَقدَرَكَ ، أَ مَا سَمِعتَ النَّاسَ يَسأَلُونَ الحَولَ وَالقُوَّةَ حِينَ يَقُولُونَ : لا حَولَ وَلا قُوَّةَ إِلَا بِاللّهِ .
قَالَ عَبَايَةُ : وَمَا تَأوِيلُها يا أَميرَ المُؤمِنِينَ ؟ قَالَ عليه السلام : لا حَولَ عَن مَعَاصِي اللّهِ إِلَا بِعِصمَةِ اللّهِ ، وَلا قُوَّةَ لَنَا عَلَى طَاعَةِ اللّهِ إِلّا بِعَونِ اللّهِ ، قَالَ : فَوَثَبَ عَبَايَةُ فَقَبَّلَ يَدَيهِ وَرِجلَيهِ .
وَرُوِيَ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عليه السلام : حِينَ أَتَاهُ نَجدَةُ يَسأَلُهُ عَن مَعرِفَةِ اللّهِ ، قَالَ : يا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ، بِمَاذَا عَرَفتَ رَبَّكَ ؟ قَالَ عليه السلام : بِالتَّمييزِ الَّذِي خَوَّلَنِي ، وَالعَقلِ الَّذِي دَلَّنِي ، قَالَ : أَفَمَجبُولٌ أَنتَ عَلَيهِ ؟
قَالَ : لَو كُنتُ مَجبُولاً ما كُنتُ مَحمُودَاً عَلَى إِحسَانٍ ، وَلا مَذمُوماً عَلَى إِسَاءَةٍ ، وَكَانَ المُحسِنُ أَولَى بِاللَائِمَةِ مِنَ المُسِيءِ ، فَعَلِمتُ أَنَّ اللّهَ قائِمٌ باقٍ وَما دُونَهُ حَدَثٌ حَائِلٌ زَائِلٌ ، وَلَيسَ القَدِيمُ البَاقِي كَالحَدَثِ الزَّائِلِ . قَالَ نَجدَةُ : أَجِدُكَ أَصبَحتَ حَكِيماً يا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ ، قَالَ : أَصبَحتُ مُخَيَّراً ؛ فَإِن أَتَيتُ السَّيِّئَةَ بِمَكَانِ الحَسَنَةِ فَأَنَا المُعَاقَبُ عَلَيهَا .
وَرُوِيَ عَن أَمِيرِ المُؤمِنِينَ عليه السلام أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ بَعدَ انصِرافِهِ مِنَ الشَّامِ ، فَقَالَ : يا أَمِيرِ المُؤمِنِينَ ، أَخبِرنَا عَن خُرُوجِنَا إِلَى الشَّامِ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ؟
قَالَ عليه السلام : نَعَم يا شَيخُ ؛ ما عَلَوتُم تَلعَةً ۱ وَلا هَبَطتُم وَادِياً ، إِلّا بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ مِنَ اللّهِ ، فَقَالَ الشَّيخُ : عِندَ اللّهِ أَحتَسِبُ عَنَائِي يا أَمِيرَ المُؤمِنِينَ؟
فَقَالَ عليه السلام : مَه يا شَيخُ ، فَإِنَّ اللّهَ قَد عَظَّمَ أَجرَكُم فِي مَسِيرِكُم وَأَنتُم سائِرُونَ ، وَفِي مَقامِكُم وَأَنتُم مُقِيمُونَ ، وَفِي انصِرافِكُم وَأَنتُم مُنصَرِفُونَ ، وَلَم تَكُونُوا في شَيءٍ مِن أُمُورِكُم مُكرَهِينَ ، وَلا إِلَيهِ مُضطَرِّينَ ، لَعلَّكَ ظَنَنتَ أَنَّه قَضاءٌ حَتمٌ وَقَدَرٌ لازِمٌ ، لَو كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَبَطَلَ الثَّوَابُ وَالعِقَابُ ، وَلَسَقَطَ الوَعدُ وَالوَعِيدُ ، وَلَمَا أُلزِمَتِ الأَشيَاءُ أَهلَهُا عَلَى الحَقَائِقِ ؛ ذَلِكَ مَقَالَةُ عَبَدَةِ الأَوثَانِ وَأَولِيَاءِ الشَّيطَانِ ، إِنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ أَمَرَ

1.التلعة : ما علا من الأرض .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج6
    المساعدون :
    الفرجي، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 129491
الصفحه من 453
طباعه  ارسل الي