35
مكاتيب الأئمّة ج6

البَحرِ وَالطَّيرِ ، وَكُلِّ ذِي حَرَكَةٍ تُدرِكُهُ حَوَاسُّ بَنِي آدَمَ بِتَميِيزِ العَقلِ وَالنُّطقِ ؛ وَذَلِكَ قَولُهُ : «لَقَدْ خَلَقْنَا الْاءِنسَـنَ فِى أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ »۱ ، وَ قَولُهُ : « يَـأَيُّهَا الْاءِنسَـنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ »۲ ، وَ قَولُهُ : « يَـأَيُّهَا الْاءِنسَـنُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّكَ فَعَدَلَكَ * فِى أَىِّ صُورَةٍ مَّا شَآءَ رَكَّبَكَ »۳ ، وَفِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ .
فَأَوَّلُ نِعمَةِ اللّهِ عَلَى الإِنسانِ صِحَّةُ عَقلِهِ ، وَتَفضيلُهُ عَلَى كَثيرٍ مِن خَلقِهِ بِكَمَالِ العَقلِ وَتَميِيزِ البَيانِ ، وَذَلِكَ أَنَّ كُلَّ ذِي حَرَكَةٍ عَلَى بَسِيطِ الأَرضِ هُوَ قَائِمٌ بِنَفسِهِ بِحَوَاسِّهِ ، مُستَكمِلٌ فِي ذَاتِهِ ، فَفَضَّلَ بَنِي آدَمَ بِالنُّطقِ الَّذِي لَيسَ فِي غَيرِهِ مِنَ الخَلقِ المُدرِكِ بِالحَوَاسِّ ، فَمِن أَجلِ النُّطقِ مَلَّكَ اللّهُ ابنَ آدَمَ غَيرَهُ مِنَ الخَلقِ ، حَتَّى صَارَ آمِرَاً نَاهِياً وَغَيرُهُ مُسَخَّرٌ لَهُ ، كَمَا قَالَ اللّهُ : «كَذَ لِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَكُمْ»۴ ، وَقَالَ : «وَ هُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَ تَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا»۵ ، وَقَالَ : «وَ الْأَنْعَـمَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْ ءٌ وَ مَنَـفِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَ لَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ * وَ تَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُوا بَــلِغِيهِ إِلَا بِشِقِّ الْأَنفُسِ»۶ .
فَمِن أَجلِ ذَلِكَ دَعَا اللّهُ الإِنسَانَ إِلَى اتِّباعِ أَمرِهِ وَإِلَى طَاعَتِهِ ، بِتَفضِيلِهِ إِيَّاهُ بِاستِوَاءِ الخَلقِ ، وَكَمَالِ النُّطقِ ، وَالمَعرِفَةِ بَعدَ أَن مَلَّكَهُمُ استِطَاعَةَ مَا كَانَ تَعَبَّدَهُم بِهِ بِقَولِهِ : «فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَ اسْمَعُوا وَ أَطِيعُوا»۷ ، وَقَولِهِ : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَا وُسْعَهَا»۸ ، وَقَولِهِ : «لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَا مَآ ءاتاها»۹ ، وَفِي آيَاتٍ كَثيرَةٍ .

1.التين :۴ .

2.. التين :۴ .

3.الانفطار : ۶ ـ ۸ .

4.. الحج :۳۷ .

5.النحل : ۱۴ .

6.النحل : ۵ ـ ۷ .

7.التغابن :۱۶ .

8.البقرة :۲۸۶ .

9.الطلاق :۷ .


مكاتيب الأئمّة ج6
34

لاِنَّ مِن صِفَاتِ المَولَى العَدلَ وَالوَفَاءَ وَالنَّصَفَةَ وَالحِكمَةَ ، أَوَ لَيسَ يَجِبُ إِن كَانَ ذَلِكَ العَبدُ صَرَفَ ذَلِكَ المَالَ فِي الوَجهِ المَأمُورِ بِهِ أن يَفِيَ لَهُ بِمَا وَعَدَهُ مِنَ الثَّوَابِ ، وَتَفَضَّلَ عَلَيهِ بِأَنِ استَعمَلَهُ فِي دَارٍ فَانِيَةٍ وَأثابَهُ عَلَى طَاعَتِهِ فِيهَا نَعِيماً دَائِماً فِي دَارٍ بَاقِيَةٍ دَائِمَةٍ .
وَإن صَرَفَ العَبدُ المَالُ الَّذِي مَلَّكَهُ مَولاهُ أَيَّامَ سُكنَاهُ تِلكَ الدَّارَ الأُولَى فِي الوَجهِ المَنهِيِّ عَنهُ ، وَخالَفَ أَمرَ مَولاهُ كَذلِكَ تَجِبُ عَلَيهِ العُقُوبَةُ الدَّائِمَةُ الَّتِي حَذَّرَهُ إِيَّاهَا ، غَيرَ ظَالِمٍ لَهُ لِما تَقَدَّمَ إِلَيهِ وَأَعلَمَهُ وَعَرَّفَهُ وَأَوجَبَ لَهُ الوَفَاءَ بِوَعدِهِ وَوَعِيدِهِ ، بِذَلِكَ يُوصَفُ القَادِرُ القَاهِرُ .
وَأَمَّا المَولَى فَهُوَ اللّهُ جَلَّ وَعَزَّ ، وَأَمَّا العَبدُ فَهُوَ ابنُ آدَمَ المَخلُوقُ ، وَالمَالُ قُدرَةُ اللّهِ الوَاسِعَةُ ، وَمِحنَتُهُ إِظهَارُهُ الحِكمَةَ وَالقُدرَةَ ، وَالدَّارُ الفَانِيَةُ هِيَ الدُّنيَا ، وَبَعضُ المَالِ الَّذِي مَلَّكَهُ مَولاهُ هُوَ الاِستِطَاعَةُ الَّتِي مَلَّكَ ابنَ آدَمَ ، وَالأُمُورُ الَّتِي أَمَرَ اللّهُ بِصَرفِ المَالِ إِلَيهَا هُوَ الاِستِطَاعَةُ لِاتِّباعِ الأَنبِياءِ ، وَالإِقرارِ بِمَا أَورَدُوهُ عَنِ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ ، وَاجتِنابُ الأَسبَابِ الَّتي نَهَى عَنهَا هِيَ طُرُقُ إِبليسَ ، وَأَمَّا وَعدُهُ فَالنَّعيمُ الدَّائِمُ وَهِيَ الجَنَّةُ ، وَأَمَّا الدَّارُ الفَانِيَةُ فَهِيَ الدُّنيا ، وَأَمَّا الدَّارُ الأُخرَى فَهِيَ الدَّارُ البَاقِيَةُ وَهِيَ الآخِرَةُ ، وَالقَولُ بَينَ الجَبرِ وَالتَّفوِيضِ هُوَ الاِختِبَارُ وَالاِمتِحَانُ وَالبَلوَى بِالاِستِطَاعَةِ الَّتِي مَلَّكَ العَبدَ .
وَشَرحُهَا فِي الخَمسَةِ الأَمثَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا الصَّادِقُ عليه السلام أَنَّها جَمَعَت جَوَامِعَ الفَضلِ ، وَأَنَا مُفَسِّرُهَا بِشَوَاهِدَ مِنَ القُرآنِ وَالبَيَانِ إِن شَاءَ اللّهُ .

تَفسِيرُ صِحَّةِ الخِلقَةِ

۰.أَمَّا قَولُ الصَّادِقِ عليه السلام : فَإِنَّ مَعنَاهُ كَمَالُ الخَلقِ لِلإِنسَانِ ، وَكَمَالُ الحَوَاسِّ ، وَثَباتُ العَقلِ وَالتَّميِيزِ ، وَإِطلاقُ اللِّسَانِ بِالنُّطقِ ؛ وَذلِكَ قَولُ اللّهِ : «وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ وَحَمَلْنَـهُمْ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَـهُم مِّنَ الطَّيِّبَـتِ وَ فَضَّلْنَـهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً »۱ .
فَقَد أَخبَرَ عز و جل عَن تَفضِيلِهِ بَنِي آدَمَ عَلَى سَائِرِ خَلقِهِ مِنَ البَهَائِمِ وَالسِّبَاعِ وَدَوابِّ

1.الإسراء :۷۰ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج6
    المساعدون :
    الفرجي، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 114224
الصفحه من 453
طباعه  ارسل الي