لاِنَّ مِن صِفَاتِ المَولَى العَدلَ وَالوَفَاءَ وَالنَّصَفَةَ وَالحِكمَةَ ، أَوَ لَيسَ يَجِبُ إِن كَانَ ذَلِكَ العَبدُ صَرَفَ ذَلِكَ المَالَ فِي الوَجهِ المَأمُورِ بِهِ أن يَفِيَ لَهُ بِمَا وَعَدَهُ مِنَ الثَّوَابِ ، وَتَفَضَّلَ عَلَيهِ بِأَنِ استَعمَلَهُ فِي دَارٍ فَانِيَةٍ وَأثابَهُ عَلَى طَاعَتِهِ فِيهَا نَعِيماً دَائِماً فِي دَارٍ بَاقِيَةٍ دَائِمَةٍ .
وَإن صَرَفَ العَبدُ المَالُ الَّذِي مَلَّكَهُ مَولاهُ أَيَّامَ سُكنَاهُ تِلكَ الدَّارَ الأُولَى فِي الوَجهِ المَنهِيِّ عَنهُ ، وَخالَفَ أَمرَ مَولاهُ كَذلِكَ تَجِبُ عَلَيهِ العُقُوبَةُ الدَّائِمَةُ الَّتِي حَذَّرَهُ إِيَّاهَا ، غَيرَ ظَالِمٍ لَهُ لِما تَقَدَّمَ إِلَيهِ وَأَعلَمَهُ وَعَرَّفَهُ وَأَوجَبَ لَهُ الوَفَاءَ بِوَعدِهِ وَوَعِيدِهِ ، بِذَلِكَ يُوصَفُ القَادِرُ القَاهِرُ .
وَأَمَّا المَولَى فَهُوَ اللّهُ جَلَّ وَعَزَّ ، وَأَمَّا العَبدُ فَهُوَ ابنُ آدَمَ المَخلُوقُ ، وَالمَالُ قُدرَةُ اللّهِ الوَاسِعَةُ ، وَمِحنَتُهُ إِظهَارُهُ الحِكمَةَ وَالقُدرَةَ ، وَالدَّارُ الفَانِيَةُ هِيَ الدُّنيَا ، وَبَعضُ المَالِ الَّذِي مَلَّكَهُ مَولاهُ هُوَ الاِستِطَاعَةُ الَّتِي مَلَّكَ ابنَ آدَمَ ، وَالأُمُورُ الَّتِي أَمَرَ اللّهُ بِصَرفِ المَالِ إِلَيهَا هُوَ الاِستِطَاعَةُ لِاتِّباعِ الأَنبِياءِ ، وَالإِقرارِ بِمَا أَورَدُوهُ عَنِ اللّهِ جَلَّ وَعَزَّ ، وَاجتِنابُ الأَسبَابِ الَّتي نَهَى عَنهَا هِيَ طُرُقُ إِبليسَ ، وَأَمَّا وَعدُهُ فَالنَّعيمُ الدَّائِمُ وَهِيَ الجَنَّةُ ، وَأَمَّا الدَّارُ الفَانِيَةُ فَهِيَ الدُّنيا ، وَأَمَّا الدَّارُ الأُخرَى فَهِيَ الدَّارُ البَاقِيَةُ وَهِيَ الآخِرَةُ ، وَالقَولُ بَينَ الجَبرِ وَالتَّفوِيضِ هُوَ الاِختِبَارُ وَالاِمتِحَانُ وَالبَلوَى بِالاِستِطَاعَةِ الَّتِي مَلَّكَ العَبدَ .
وَشَرحُهَا فِي الخَمسَةِ الأَمثَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا الصَّادِقُ عليه السلام أَنَّها جَمَعَت جَوَامِعَ الفَضلِ ، وَأَنَا مُفَسِّرُهَا بِشَوَاهِدَ مِنَ القُرآنِ وَالبَيَانِ إِن شَاءَ اللّهُ .
تَفسِيرُ صِحَّةِ الخِلقَةِ
۰.أَمَّا قَولُ الصَّادِقِ عليه السلام : فَإِنَّ مَعنَاهُ كَمَالُ الخَلقِ لِلإِنسَانِ ، وَكَمَالُ الحَوَاسِّ ، وَثَباتُ العَقلِ وَالتَّميِيزِ ، وَإِطلاقُ اللِّسَانِ بِالنُّطقِ ؛ وَذلِكَ قَولُ اللّهِ : «وَ لَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى ءَادَمَ وَحَمَلْنَـهُمْ فِى الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ رَزَقْنَـهُم مِّنَ الطَّيِّبَـتِ وَ فَضَّلْنَـهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً »۱ .
فَقَد أَخبَرَ عز و جل عَن تَفضِيلِهِ بَنِي آدَمَ عَلَى سَائِرِ خَلقِهِ مِنَ البَهَائِمِ وَالسِّبَاعِ وَدَوابِّ