37
مكاتيب الأئمّة ج6

وَ إِن كَانَ لَم يَعمَل بِكَمَالِ شَرائِعِهِ لِعِلَّةٍ ما ، لَم يُمهِلهُ فِي الوَقتِ إِلَى استِتمَامِ أَمرِهِ ، وَقَد حَظَرَ عَلَى البَالِغِ ما لَم يَحظُر عَلَى الطِّفلِ إِذَا لَم يَبلُغِ الحُلُمَ فِي قَولِهِ : «وَ قُل لِّلْمُؤْمِنَـتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـرِهِنَّ» 1 الآيَة ، فَلَم يَجعَل عَلَيهِنَّ حَرَجاً في إِبداءِ الزِّينَةِ لِلطِّفلِ ، وَكَذَلِكَ لا تَجرِي عَلَيهِ الأَحكَامُ .
وَأَمَّا قَولُهُ : الزَّادُ ؛ فَمَعنَاهُ الجِدَةُ 2 وَالبُلغَةُ الَّتِي يَستَعِينُ بِهَا العَبدُ عَلَى ما أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ ، وَذَلِكَ قَولُهُ : «مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ» 3 الآيَة ، أَلا تَرَى أَنَّهُ قَبِلَ عُذرَ مَن لَم يَجِد ما يُنفِقُ ، وَأَلزَمَ الحُجَّةَ كُلَّ مَن أَمكَنَتهُ البُلغَةُ وَالرَّاحِلَةُ لِلحَجِّ وَالجِهَادِ وَأَشبَاهِ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ قَبِلَ عُذرَ الفُقَرَاءِ وَأَوجَبَ لَهُم حَقَّاً فِي مَالِ الأَغنِياءِ بِقَولِهِ : «لِلْفُقَرَآءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ» 4 الآيَة ، فَأَمَرَ بِإِعفائِهِم ، وَلَم يُكَلِّفُهُمُ الإِعدادَ لِمَا لا يَستَطِيعُونَ وَلا يَملِكُونَ .
وَأَمَّا قَولُهُ فِي السَّبَبِ المُهَيِّجِ ؛ فَهُوَ النِّيَّةُ الَّتِي هِيَ داعِيَةُ الإِنسَانِ إِلَى جَمِيعِ الأَفعَالِ ، وَحاسَّتُهَا القَلبُ ، فَمَن فَعَلَ فِعلاً وَكَانَ بِدينٍ لَم يَعقِد قَلبُهُ عَلَى ذَلِكَ ، لَم يَقبَلِ اللّهُ مِنهُ عَمَلاً إِلَا بِصِدقِ النِّيَّةِ ، وَلِذَلِكَ أَخبَرَ عَنِ المُنَافِقِينَ بِقَولِهِ : « يَقُولُونَ بِأَفْوَ هِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ » 5 ، ثُمَّ أَنزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله تَوبِيخاً لِلمُؤمِنِينَ : « يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ » 6 الآيَة ، فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ قَولاً وَاعتَقَدَ فِي قَولِهِ ، دَعَتهُ النِّيَّةُ إِلَى تَصدِيقِ القَولِ بِإِظهَارِ الفِعلِ ، وَإِذَا لَم يَعتَقِدِ القَولَ لَم تَتَبيَّن حَقِيقَتُهُ ، وَقَد أَجَازَ اللّهُ صِدقَ النِّيَّةِ وَإِن كَانَ الفِعلُ غَيرَ مُوافِقٍ لَهَا لِعِلَّةِ مَانِعٍ يَمنَعُ إِظهَارَ الفِعلِ فِي قَولِهِ : «إِلَا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنُّ بِالْاءِيمَـنِ» 7 ، وَ قَولِهِ : « لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ

1.النور :۳۱ .

2.الجِدَة ـ بالكسرـ : الغنى والقدرة .

3.التوبة :۹۱ .

4.البقرة :۲۷۳ .

5.آل عمران :۱۶۷ .

6.الصف :۲ .

7.النحل :۱۰۶ .


مكاتيب الأئمّة ج6
36

فَإذَا سَلَبَ مِنَ العَبدِ حَاسَّةً مِن حَوَاسِّهِ رَفَعَ العَمَلَ عَنهُ بِحَاسَّتِهِ ، كَقَولِهِ : «لَّيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ»۱ الآية ، فَقَد رَفَعَ عَن كُلِّ مَن كَانَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ الجِهَادَ ، وَجَمِيعَ الأَعمَالِ الَّتِي لا يَقُومُ بِهَا .
وَكَذلِكَ أَوجَبَ عَلَى ذِي اليَسَارِ الحَجَّ وَالزَّكَاةَ لِما مَلَّكَهُ مِنِ استِطَاعَةِ ذَلِكَ ، وَلَم يُوجِب عَلَى الفَقِيرِ الزَّكَاةَ وَالحَجَّ ؛ قَولُهُ : «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً»۲ ، وَقَولُهُ فِي الظِّهَارِ : «وَ الَّذِينَ يُظَـهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ـ إلى قوله ـ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً»۳ . كُلُّ ذلِكَ دَليلٌ عَلَى أَنَّ اللّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَم يُكَلِّف عِبَادَهُ إِلَا مَا مَلَّكَهُمُ استِطَاعَتَهُ بِقُوَّةِ العَمَلِ بِهِ وَنَهَاهُم عَن مِثلِ ذَلِكَ ، فَهَذِهِ صِحَّةُ الخِلقَةِ .
وَأَمَّا قَولُهُ : تَخلِيَةُ السَّربِ ۴ ، فَهُوَ الَّذِي لَيسَ عَلَيهِ رَقيبٌ يَحظُرُ عَلَيهِ ، وَيمنَعَهُ العَمَلَ بِمَا أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ ، وَذَلِكَ قَولُهُ فِيمَنِ استُضعِف وَحُظِرَ عَلَيهِ العَمَلُ فَلَم يَجِد حِيلَةً وَلا يَهتَدِي سَبِيلاً ، كَمَا قَالَ اللّهُ تَعَالَى : « إِلَا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَآءِ وَالْوِلْدَ نِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً »۵ ، فَأَخبَرَ أَنَّ المُستَضعَفَ لَم يُخَلَّ سَربُهُ ، وَلَيسَ عَلَيهِ مِنَ القَولِ شَيءٌ إِذَا كَانَ مُطمَئِنَّ القَلبِ بِالْاءِيمَانِ .
وَأَمَّا المُهلَةُ فِي الوَقتِ ، فَهُوَ العُمرُ الَّذي يُمَتَّعُ الإِنسَانُ ، مِن حَدِّ مَا تَجِبُ عَلَيهِ المَعرِفَةُ إِلَى أَجَلِ الوَقتِ ، وَذَلِكَ مِن وَقتِ تَميِيزِه وَبُلُوغِ الحُلُمِ إِلَى أَن يَأتِيَهُ أَجَلُهُ ، فَمَن مَاتَ عَلَى طَلَبِ الحَقِّ وَلَم يُدرِك كَمَالَهُ فَهُوَ عَلَى خَيرٍ ؛ وَذَلِكَ قَولُهُ : «وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ»۶ الآية .

1.النور :۶۱ ، الفتح ۱۷ .

2.آل عمران :۹۷ .

3.المجادلة : ۳ و ۴ .

4.السرب ـ بالفتح والسكون ـ : الطريق .

5.النساء :۹۸ .

6.النساء :۱۰۰ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج6
    المساعدون :
    الفرجي، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 127929
الصفحه من 453
طباعه  ارسل الي