وَ إِن كَانَ لَم يَعمَل بِكَمَالِ شَرائِعِهِ لِعِلَّةٍ ما ، لَم يُمهِلهُ فِي الوَقتِ إِلَى استِتمَامِ أَمرِهِ ، وَقَد حَظَرَ عَلَى البَالِغِ ما لَم يَحظُر عَلَى الطِّفلِ إِذَا لَم يَبلُغِ الحُلُمَ فِي قَولِهِ : «وَ قُل لِّلْمُؤْمِنَـتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَـرِهِنَّ» 1 الآيَة ، فَلَم يَجعَل عَلَيهِنَّ حَرَجاً في إِبداءِ الزِّينَةِ لِلطِّفلِ ، وَكَذَلِكَ لا تَجرِي عَلَيهِ الأَحكَامُ .
وَأَمَّا قَولُهُ : الزَّادُ ؛ فَمَعنَاهُ الجِدَةُ 2 وَالبُلغَةُ الَّتِي يَستَعِينُ بِهَا العَبدُ عَلَى ما أَمَرَهُ اللّهُ بِهِ ، وَذَلِكَ قَولُهُ : «مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ» 3 الآيَة ، أَلا تَرَى أَنَّهُ قَبِلَ عُذرَ مَن لَم يَجِد ما يُنفِقُ ، وَأَلزَمَ الحُجَّةَ كُلَّ مَن أَمكَنَتهُ البُلغَةُ وَالرَّاحِلَةُ لِلحَجِّ وَالجِهَادِ وَأَشبَاهِ ذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ قَبِلَ عُذرَ الفُقَرَاءِ وَأَوجَبَ لَهُم حَقَّاً فِي مَالِ الأَغنِياءِ بِقَولِهِ : «لِلْفُقَرَآءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِى سَبِيلِ اللَّهِ» 4 الآيَة ، فَأَمَرَ بِإِعفائِهِم ، وَلَم يُكَلِّفُهُمُ الإِعدادَ لِمَا لا يَستَطِيعُونَ وَلا يَملِكُونَ .
وَأَمَّا قَولُهُ فِي السَّبَبِ المُهَيِّجِ ؛ فَهُوَ النِّيَّةُ الَّتِي هِيَ داعِيَةُ الإِنسَانِ إِلَى جَمِيعِ الأَفعَالِ ، وَحاسَّتُهَا القَلبُ ، فَمَن فَعَلَ فِعلاً وَكَانَ بِدينٍ لَم يَعقِد قَلبُهُ عَلَى ذَلِكَ ، لَم يَقبَلِ اللّهُ مِنهُ عَمَلاً إِلَا بِصِدقِ النِّيَّةِ ، وَلِذَلِكَ أَخبَرَ عَنِ المُنَافِقِينَ بِقَولِهِ : « يَقُولُونَ بِأَفْوَ هِهِم مَّا لَيْسَ فِى قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ » 5 ، ثُمَّ أَنزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله تَوبِيخاً لِلمُؤمِنِينَ : « يَـأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ » 6 الآيَة ، فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ قَولاً وَاعتَقَدَ فِي قَولِهِ ، دَعَتهُ النِّيَّةُ إِلَى تَصدِيقِ القَولِ بِإِظهَارِ الفِعلِ ، وَإِذَا لَم يَعتَقِدِ القَولَ لَم تَتَبيَّن حَقِيقَتُهُ ، وَقَد أَجَازَ اللّهُ صِدقَ النِّيَّةِ وَإِن كَانَ الفِعلُ غَيرَ مُوافِقٍ لَهَا لِعِلَّةِ مَانِعٍ يَمنَعُ إِظهَارَ الفِعلِ فِي قَولِهِ : «إِلَا مَنْ أُكْرِهَ وَ قَلْبُهُ مُطْمَئِنُّ بِالْاءِيمَـنِ» 7 ، وَ قَولِهِ : « لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ