379
مكاتيب الأئمّة ج6

انزَحَرَ [انزَجَرَ] عَن ثَانِيَةٍ بِأُولَى ، لَكِنَّهُ تَمَادَى فِي غَيِّهِ ، وَتَتَابَعَ فِي ظُلمِهِ ، وَلَجَّ فِي عُدوَانِهِ ، وَاستَشرَى [استَثرَى] فِي طُغيَانِهِ ، جُرأَةً عَلَيكَ يَا سَيِّدِي وَمَولايَ ، وَتَعَرُّضاً لِسَخَطِكَ الَّذِي لا تَرُدُّهُ عَنِ الظَّالِمِينَ ، وَقِلَّةَ اكتِرَاثٍ بِبَأسِكَ الَّذِي لا تَحبِسُهُ عَنِ البَاغِينَ فَهَأَنَذَا يَا سَيِّدِي مُستَضعَفٌ فِي يَدِهِ ، مُستَضَامٌ تَحتَ سُلطَانِهِ ، مُستَذِلٌّ بِفِنَائِهِ مَغصُوبٌ مَغلُوبٌ مَبغِيٌّ عَلَيَّ ، مَرعُوبٌ وَجِلٌ خَائِفٌ مُرَوَّعٌ مَقهُورٌ ، قَد قَلَّ صَبرِي وَضَاعَت حِيلَتِي ، وَانغَلَقَت عَلَيَّ المَذَاهِبُ إلّا إِلَيكَ ، وَانسَدَّت عَنِّي الجِهَاتُ إلّا جِهَتُكَ ، وَالتَبَسَت عَلَيَّ أُمُورِي فِي دَفعِ مَكرُوهِهِ عَنِّي ، وَاشتَبَهَت عَلَيَّ الآرَاءُ فِي إِزَالَةِ ظُلمِهِ ، وَخَذَلَنِي مَنِ استَنصَرتُهُ مِن خَلقِكَ ، وَأَسلَمَنِي مَن تَعَلَّقتُ بِهِ مِن عِبَادِكَ ، فَاستَشَرتُ نَصِيحِي فَأَشَارَ عَلَيَّ بِالرَّغبَةِ إِلَيكَ ، وَاستَرشَدتُ دَلِيلِي فَلَم يَدُلَّنِي إلّا إلَيكَ ، فَرَجَعتُ إِلَيكَ يَا مَولايَ صَاغِراً رَاغِماً مُستَكِيناً ، عَالِماً أَنَّهُ لا فَرَجَ لِي إلّا عِندَكَ ، وَلا خَلاصَ لِي إلّا بِكَ ، أَنتَجِزُ وَعدَكَ فِي نُصرَتِي وَإِجَابَةِ دُعَائِي ؛ لأَنَّ قَولَكَ الحَقُّ الَّذِي لا يُرَدُّ وَلا يُبَدَّلُ ، وَقَد قُلتَ تَبَارَكتَ وَتَعَالَيتَ وَمَن بُغِيَ عَلَيهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللّهُ ، وَقُلتَ جَلَّ ثَنَاؤُكَ وَتَقَدَّسَت أَسمَاؤُكَ : «ادْعُونِى أَسْتَجِبْ لَكُمْ»۱ ، فَهَأَنَذَا فَاعِلٌ مَا أَمَرتَنِي بِهِ لا مَنّاً عَلَيكَ ، وَكَيفَ أَمُنُّ بِهِ وَأَنتَ عَلَيهِ دَلَلتَنِي ؟ فَصَلِّ على محمَّدٍ وَآلِ محَمَّدٍ وَاستَجِب لِي كَمَا وَعَدتَنِي ، يَا مَن لا يُخلِفُ المِيعَادَ .
وَإِنِّي لأَعلَمُ يَا سَيِّدِي أَنَّ لَكَ يَوماً تَنتَقِمُ فِيهِ مِنَ الظَّالِمِ لِلمَظلُومِ ، وَأَتَيَقَّنُ أَنَّ لَكَ وَقتاً تَأخُذُ فِيهِ مِنَ الغَاصِبِ لِلمَغصُوبِ لأَنَّك لا يَسبِقُكَ مُعَانِدٌ وَلا يَخرُجُ مِن قَبضَتِكَ مُنَابِذٌ وَلا تَخَافُ فَوتَ فَائِتٍ ، وَلَكِنَّ جَزَعِي وَهَلَعِي لا يَبلُغَانِ الصَّبرَ عَلى أَنَاتِكَ وَانتِظَارَ حِلمِكَ ، فَقُدرَتُكَ يَا سَيِّدِي فَوقَ كُلِّ قُدرَةٍ وَسُلطَانُكَ غَالِبٌ كُلَّ

1.. غافر : ۶۰ .


مكاتيب الأئمّة ج6
378

وَمُستَودَعَنَا وَمُنقَلَبَنَا وَمَثوَانَا وَسِرَّنَا وَعَلانِيَتَنَا تَطَّلِعُ عَلى نِيَّاتِنَا وَتُحِيطُ بِضَمَائِرِنَا ، عِلمُكَ بِمَا نُبدِيهِ كَعِلمِكَ بِمَا نُخفِيهِ ، وَمَعرِفَتُكَ بِمَا نُبطِنُهُ كَمَعرِفَتِكَ بِمَا نُظهِرُهُ ، وَلا يَنطَوِي عِندَكَ شَيءٌ مِن أُمُورِنَا ، وَلا يَستَتِرُ دُونَكَ حَالٌ مِن أَحوَالِنَا ، وَلا مِنكَ مَعقِلٌ يُحصِنُنُا وَلا حِرزٌ يُحرِزُنَا ، وَلا مَهرَبٌ لَنَا نَفُوتُكَ بِهِ ، وَلا يَمنَعُ الظَّالِمَ مِنكَ حُصُونُهُ ، وَلا يُجَاهِدُكَ عَنهُ جُنُودُهُ ، وَلا يُغَالِبُكَ مُغَالِبٌ بِمَنعِهِ ، وَلا يُعَازُّكَ مُعَازٌّ بِكَثرَةٍ ، أَنتَ مُدرِكُهُ أَينَمَا سَلَكَ وَقَادِرٌ عَلَيهِ أَينَمَا لَجَأَ ، فَمَعَاذُ المَظلُومِ مِنَّا بِكَ ، وَتَوَكُّلُ المَقهُورِ مِنَّا عَلَيكَ ، وَرُجُوعُهُ إِلَيكَ يَستَغِيثُ بِكَ إِذَا خَذَلَهُ المُغِيثُ ، وَيَستَصرِخُكَ إِذَا قَعَدَ عَنهُ النَّصِيرُ ، وَيَلُوذُ بِكَ إِذَا نَفَتهُ الأَفنِيَةُ ، وَيَطرُقُ بِكَ [بَابَكَ] إِذَا أُغلِقَت [غُلِّقَت] عَنهُ الأَبوَابُ المُرتَجَةُ ، وَيَصِلُ إِلَيكَ إِذَا احتَجَبَ [احتَجَبَت] عَنهُ المُلُوكُ الغَافِلَةُ ، تَعلَمُ مَا حَلَّ بِهِ قَبلَ أَن يَشكُوَهُ إِلَيكَ ، وَتَعلَمُ مَا يُصلِحُهُ قَبلَ أَن يَدعُوَكَ لَهُ ، فَلَكَ الحَمدُ سَمِيعاً لَطِيفاً عَلِيماً خَبِيراً .
وَأَنَّهُ قَد كَانَ فِي سَابِقِ عِلمِكَ ، وَمُحكَمِ قَضَائِكَ ، وَجَارِي قَدَرِكَ ، وَنَافِذِ أَمرِكَ ، وَقَاضِي حُكمِكَ ، وَمَاضِي مَشِيئَتِكَ فِي خَلقِكَ أَجمَعِينَ ، شَقِيِّهِم وَسَعِيدِهِم وَبَرِّهِم وَفَاجِرِهِم ، أَن جَعَلتَ لِفُلانِ بنِ فُلانٍ عَلَيَّ قُدرَةً فَظَلَمَنِي بِهَا ، وَبَغَى عَلَيَّ بِمَكَانِهَا ، وَاستَطَالَ وَتَعَزَّزَ بِسُلطَانِهِ الَّذِي خَوَّلتَهُ إِيَّاهُ ، وَتَجَبَّرَ وَافتَخَرَ بِعُلُوِّ حَالِهِ الَّذِي نَوَّلتَهُ ، وَعَزَّهُ [غَرَّهُ] إِملاؤُكَ لَهُ ، وَأَطغَاهُ حِلمُكَ عَنهُ ، فَقَصَدَنِي بِمَكرُوهٍ عَجَزتُ عَنِ الصَّبرِ عَلَيهِ ، وَتَعَمَّدَنِي بَشَرٍّ ضَعُفتُ عَنِ احتِمَالِهِ ، وَلَم أَقدِر عَلى الاستِنصَافِ [الانتِصَافِ] مِنهُ لِضَعفِي ، وَلا عَلى الانتِصَارِ لِقِلَّتِي وَذُلّي ، فَوَكَلتُ أَمرَهُ إِلَيكَ ، وَتَوَكَّلتُ فِي شَأنِهِ عَلَيكَ ، وَتَوَعَّدتُهُ بِعُقُوبَتِكَ ، وَحَذَّرتُهُ بِبَطشِكَ ، وَخَوَّفتُهُ نَقِمَتَكَ ، فَظَنَّ أَنَّ حِلمَكَ عَنهُ مِن ضَعفٍ ، وَحَسِبَ أَنَّ إِملاءَكَ لَهُ من عَجزٍ ، وَلَم تَنهَهُ وَاحِدَةٌ عَن أُخرَى ، وَلا

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج6
    المساعدون :
    الفرجي، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 114349
الصفحه من 453
طباعه  ارسل الي