«خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً»
۱ ، وَقَولُهُ : «وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَ هِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـتٍ»۲ ، وَ قَولُهُ : «وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لَـكِن لِّيَبْلُوَا بَعْضَكُم بِبَعْضٍ»۳ ، وَكُلُّ ما فِي القُرآنِ مِن بَلوَى هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي شَرَحَ أَوَّلَهَا فَهِيَ اختِبَارُ ، وَأَمثَالُهَا فِي القُرآنِ كَثيرةٌ . فَهِيَ إِثبَاتُ الاِختِبَارِ وَالبَلوىَ ، إِنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ لَم يَخلُقِ الخَلقَ عَبَثاً ، وَلا أَهمَلَهُم سُدَىً ، وَلا أَظهَرَ حِكمَتَهُ لَعِباً ، وَبِذَلِكَ أَخبَرَ فِي قَولِهِ : «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـكُمْ عَبَثًا»۴ .
فَإن قَالَ قَائِلٌ : فَلَم يَعلَمِ اللّهُ مَا يَكُونُ مِنَ العِبَادِ حَتَّى اختَبَرَهُم؟ قُلنَا : بَلَى ؛ قَد عَلِمَ ما يَكُونُ مِنهُم قَبلَ كَونِهِ ، وَذَلِكَ قَولُهُ : «وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا»۵ ، وَإِنَّمَا اختَبَرَهُم لِيُعلِمَهُم عَدلَهُ ، وَلا يُعَذِّبَهُم إِلَا بِحُجَّةٍ بَعدَ الفِعلِ ، وَقَد أَخبَرَ بِقَولِهِ : «وَلَوْ أَنَّـآ أَهْلَكْنَـهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا»۶ ، وَقَولِهِ : «وَ مَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا »۷ ، وَقَولِهِ» : «رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ»۸ ، فَالاِختِبارُ مِنَ اللّهِ بِالاِستِطَاعَةِ الَّتِي مَلَّكَها عَبدَهُ ، وَهُوَ القَولُ بَينَ الجَبرِ وَالتَّفوِيضِ ، وَبِهَذَا نَطَقَ القُرآنُ ، وَجَرَتِ الأَخبَارُ عَنِ الأَئِمَّةِ مِن آلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله .
فَإن قَالُوا : مَا الحُجَّةُ فِي قَولِ اللّهِ : «يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ»۹ وَمَا أَشبَهَهَا ؟ قِيلَ : مَجَازُ هَذِهِ الآيَاتِ كُلِّها عَلَى مَعنَيِينِ ، أَمَّا أَحَدُهُمَا : فَإِخبَارٌ عَن قُدرَتِهِ ، أَي إِنَّهُ