39
مكاتيب الأئمّة ج6

«خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَيَوةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً» ۱ ، وَقَولُهُ : «وَ إِذِ ابْتَلَى إِبْرَ هِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَـتٍ»۲ ، وَ قَولُهُ : «وَلَوْ يَشَآءُ اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لَـكِن لِّيَبْلُوَا بَعْضَكُم بِبَعْضٍ»۳ ، وَكُلُّ ما فِي القُرآنِ مِن بَلوَى هَذِهِ الآيَاتِ الَّتِي شَرَحَ أَوَّلَهَا فَهِيَ اختِبَارُ ، وَأَمثَالُهَا فِي القُرآنِ كَثيرةٌ . فَهِيَ إِثبَاتُ الاِختِبَارِ وَالبَلوىَ ، إِنَّ اللّهَ جَلَّ وَعَزَّ لَم يَخلُقِ الخَلقَ عَبَثاً ، وَلا أَهمَلَهُم سُدَىً ، وَلا أَظهَرَ حِكمَتَهُ لَعِباً ، وَبِذَلِكَ أَخبَرَ فِي قَولِهِ : «أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـكُمْ عَبَثًا»۴ .
فَإن قَالَ قَائِلٌ : فَلَم يَعلَمِ اللّهُ مَا يَكُونُ مِنَ العِبَادِ حَتَّى اختَبَرَهُم؟ قُلنَا : بَلَى ؛ قَد عَلِمَ ما يَكُونُ مِنهُم قَبلَ كَونِهِ ، وَذَلِكَ قَولُهُ : «وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا»۵ ، وَإِنَّمَا اختَبَرَهُم لِيُعلِمَهُم عَدلَهُ ، وَلا يُعَذِّبَهُم إِلَا بِحُجَّةٍ بَعدَ الفِعلِ ، وَقَد أَخبَرَ بِقَولِهِ : «وَلَوْ أَنَّـآ أَهْلَكْنَـهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا»۶ ، وَقَولِهِ : «وَ مَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا »۷ ، وَقَولِهِ» : «رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ»۸ ، فَالاِختِبارُ مِنَ اللّهِ بِالاِستِطَاعَةِ الَّتِي مَلَّكَها عَبدَهُ ، وَهُوَ القَولُ بَينَ الجَبرِ وَالتَّفوِيضِ ، وَبِهَذَا نَطَقَ القُرآنُ ، وَجَرَتِ الأَخبَارُ عَنِ الأَئِمَّةِ مِن آلِ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله .
فَإن قَالُوا : مَا الحُجَّةُ فِي قَولِ اللّهِ : «يُضِلُّ مَن يَشَآءُ وَ يَهْدِى مَن يَشَآءُ»۹ وَمَا أَشبَهَهَا ؟ قِيلَ : مَجَازُ هَذِهِ الآيَاتِ كُلِّها عَلَى مَعنَيِينِ ، أَمَّا أَحَدُهُمَا : فَإِخبَارٌ عَن قُدرَتِهِ ، أَي إِنَّهُ

1.الملك :۲ .

2.البقرة :۱۲۴ .

3.محمد :۴ .

4.المؤمنون :۱۱۵ .

5.الأنعام :۲۸ .

6.طه :۱۳۴ .

7.الإسراء :۱۵ .

8.النساء :۱۶۵ .

9.فاطر :۸ ، النحل :۹۳ .


مكاتيب الأئمّة ج6
38

بِاللَّغْوِ فِى أَيْمَـنِكُمْ» 1 ، فَدَلَّ القُرآنُ وَأَخبَارُ الرَّسُولِ صلى الله عليه و آله أَنَّ القَلبَ مَالِكٌ لِجَمِيعِ الحَوَاسِّ يُصَحِّحُ أَفعَالَهَا ، وَلا يُبطِلُ ما يُصَحِّحُ القَلبُ شَيءٌ .
فَهَذَا شَرحُ جَمِيعِ الخَمسَةِ الأَمثَالِ الَّتِي ذَكَرَهَا الصَّادِقُ عليه السلام أَنَّهَا تَجمَعُ المَنزِلَةَ بَينَ المَنزِلَتَينِ ، وَهُمَا الجَبرُ وَالتَّفوِيضُ . فَإِذَا اجتَمَعَ فِي الإِنسَانِ كَمَالُ هَذِهِ الخَمسَةِ الأَمثَالِ ، وَجَبَ عَلَيهِ العَمَلُ كَمُلاً لِمَا أَمَرَ اللّهُ عز و جل بِهِ وَرَسُولُهُ ، وَإذَا نَقَصَ العَبدُ مِنهَا خَلَّةً ، كَانَ العَمَلُ عَنهَا مَطرُوحاً بِحَسَبِ ذَلِكَ .
فَأَمَّا شَواهِدُ القُرآنِ عَلَى الاِختِبارِ وَالبَلوَى بِالاِستِطَاعَةِ الَّتِي تَجمَعُ القَولَ بَينَ القَولَينِ فَكَثيرَةٌ ، وَمِن ذَلِكَ قَولُهُ : «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَـهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّـبِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبَارَكُمْ » 2 ، وَقَالَ : «سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ » 3 ، وَقَالَ : «الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا ءَامَنَّا وَ هُمْ لَا يُفْتَنُونَ » 4 ، وَقَالَ فِي الفِتَنِ الَّتِي مَعنَاهَا الاِختِبَارُ : «وَ لَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَـنَ» 5 الآيَة ، وَقَالَ فِي قِصَّةِ مُوسَى عليه السلام : «فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِىُّ » 6
، وَقَولُ مُوسَى : «إِنْ هِىَ إِلَا فِتْنَتُكَ» 7 ، أَي اختِبَارُكَ ، فَهَذِهِ الآيَاتُ يُقاسُ بَعضُهَا بِبَعضٍ ، وَيَشهَدُ بَعضُهَا لِبَعضٍ .
وَأَمَّا آيَاتُ البَلوَى بِمَعنَى الاِختِبَارِ ، قَولُهُ : « لِّيَبْلُوَكُمْ فِى مَآ ءَاتَكُمْ» 8 ، وَقَولُهُ : «ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ» 9 ، وَ قَولُهُ : «إِنَّا بَلَوْنَـهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَـبَ الْجَنَّةِ» 10 ، وَقَولُهُ :

1.البقرة :۲۲۵ .

2.محمد :۳۱ .

3.الأعراف :۱۸۲ .

4.العنكبوت :۱ و ۲ .

5.ص :۳۴ .

6.طه :۸۵ .

7.الأعراف :۱۵۵ .

8.المائدة :۴۸ .

9.آل عمران :۱۵۲ .

10.القلم :۱۷ .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمّة ج6
    المساعدون :
    الفرجي، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دار الحديث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1430 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 127865
الصفحه من 453
طباعه  ارسل الي