25
منتخب نهج الذكر

لَا تُلْهِيهِمْ تِجَـرَةٌ وَ لَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ» ـالإمام عليّ عليه السلام : إنَّ اللّهَ سُبحانَهُ وتَعالى جَعَلَ الذِّكرَ جِلاءً لِلقُلوبِ ، تَسمَعُ بِهِ بَعدَ الوَقرَةِ 1 ، وتُبصِرُ بِهِ بَعدَ العَشوَةِ 2 ، وتَنقادُ بِهِ بَعدَ المُعانَدَةِ. وما بَرِحَ للّهِِ ـ عَزَّت آلاؤُهُ ـ فِي البُرهَةِ بَعدَ البُرهَةِ ، وفي أزمانِ الفَتَراتِ 3 ، عِبادٌ ناجاهُم في فِكرِهِم ، وكَلَّمَهُم في ذاتِ عُقولِهِم ، فَاستَصبَحوا بِنورِ يَقَظَةٍ فِي الأَبصارِ وَالأَسماعِ وَالأَفئِدَةِ ، يُذَكِّرونَ بِأَيّامِ اللّهِ ، ويُخَوِّفونَ مَقامَهُ ، بِمَنزِلَةِ الأَدِلَّةِ فِي الفَلَواتِ 4 ، مَن أخَذَ القَصدَ 5 حَمِدوا إلَيهِ طَريقَهُ ، وبَشَّروهُ بِالنَّجاةِ ، ومَن أخَذَ يَمينا وشِمالاً ذَمُّوا إلَيهِ الطَّريقَ ، وحَذَّروهُ مِنَ الهَلَكَةِ ، وكانوا كَذلِكَ مَصابِيحَ تِلكَ الظُّلُماتِ ، وأَدِلَّةَ تِلكَ الشُّبُهاتِ .
وإنَّ لِلذِّكرِ لَأَهلاً، أخَذوهُ مِنَ الدُّنيا بَدَلاً ، فَلَم تَشغَلهُم تِجارَةٌ ولا بَيعٌ عَنهُ ، يَقطَعونَ بِهِ أيّامَ الحَياةِ ، ويَهتِفونَ بِالزَّواجِرِ عَن مَحارِمِ اللّهِ في أسماعِ الغافِلينَ ، ويَأمُرونَ بِالقِسطِ ويَأتَمِرونَ بِهِ ، ويَنهَونَ عَنِ المُنكَر ويَتَناهَونَ عَنهُ ، فَكَأَنّما قَطَعوا الدُّنيا إلَى الآخِرَةِ وهُم فيها ، فَشاهَدوا ما وَراءَ ذلِكَ ، فَكَأَنَّمَا اطَّلَعوا غُيوبَ أهلِ البَرزَخِ في طُولِ الإِقامَةِ فيهِ ، وحَقَّقَتِ القِيامَةُ عَلَيهِم عِداتِها ، فَكَشَفوا غِطاءَ ذلِكَ لِأَهلِ الدُّنيا ، حَتّى كَأَنَّهُم يَرَونَ ما لا يَرَى النّاسُ ، ويَسمَعونَ ما لا يَسمَعونَ .
فَلَو مَثَّلتَهُم لِعَقلِكَ ـ في مَقاوِمِهِمُ 6 المَحمودَةِ ، ومَجالِسِهِمُ المَشهودَةِ ، وقَد نَشَروا دَواوينَ أعمالِهِم ، وفَرَغوا لِمُحاسَبَةِ أنفُسِهِم عَلى كُلِّ صَغيرَةٍ وكَبيرَةٍ اُمِروا بها فَقَصَّروا عَنها ، أو نُهوا عَنها فَفَرَّطوا فيها ، وحَمَّلوا ثِقَلَ أوزارِهِم ظُهورَهُم ، فَضَعُفوا عَنِ

1.الوَقْرة : هي المرّة من الوَقْر ؛ ثِقَل السمع (النهاية : ج ۵ ص ۲۱۳) .

2.العَشْوَة : المرّة من العشا ؛ أي سوء البصر بالليل والنهار ، أو العمى (القاموس المحيط : ج ۴ ص ۳۶۲) .

3.الفَتْرة : ما بين الرسولين من رسل اللّه تعالى من الزمان الذي انقطعت فيه الرسالة (النهاية : ج ۳ ص ۴۰۸) .

4.الفلاة : القَفْر أو المفازة لا ماءَ فيها ، أو الصحراء الواسعة (القاموس المحيط : ج ۴ ص ۳۷۵) .

5.القصد : الرشد . قصد في الأمر قصدا : توسّط وطلب الأسَدّ ، ولم يُجاوز الحدّ (المصباح المنير : ص۵۰۵) .

6.جمع مقام (بحار الأنوار : ج ۶۹ ص ۳۲۸) .


منتخب نهج الذكر
24

لَا تُلْهِيهِمْ تِجَـرَةٌ وَ لَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ» ـ :ـ مِن كَلامٍ قالَهُ عِندَ تِلاوَتِهِ : «يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَ الْاصَالِ * رِجَالٌ

  • نام منبع :
    منتخب نهج الذكر
    المساعدون :
    الافقی، رسول
    المجلدات :
    1
    الناشر :
    دار الحدیث للطباعة و النشر
    مکان النشر :
    قم المقدسة
    تاریخ النشر :
    1429 ق / 1387 ش
    الطبعة :
    الاولی
عدد المشاهدين : 211703
الصفحه من 368
طباعه  ارسل الي