191
مكاتيب الأئمة ج5

ما في ۱
القَلبِ ، وَ العُمَّالُ العُروقُ في الأَوصالِ ۲ وَ الدِّماغِ ، وَ بَيتُ المَلِكِ قَلبُهُ ، وَ أَرضُهُ الجَسَدُ، وَالأَعوانُ يَداهُ وَرِجلاهُ وَعَيناهُ وَشَفَتاهُ وَلِسانَهُ وَأُذُناهُ، وَخَزائِنُهُ مَعِدَتُهُ ۳ وَبَطنُهُ وَحِجابُهُ وَ صَدرُهُ ۴ . فَاليَدانِ عَونانِ يُقَرِّبانِ وَ يُبَعِّدانِ ، وَ يَعمَلانِ عَلى ما يُوحي إِلَيها المَلِكُ ، وَالرِّجلانِ يَنقُلانِ المَلِكَ حَيثُ يَشاءُ ، وَ العَينانِ يَدُلَانِهِ عَلى ما يَغيبُ عَنهُ ؛ لِأَنَّ المَلِكَ وَراءَ حِجابٍ ۵

1.ليس في بحار الأنوار : «ما في» .

2.و يمكن تعميم العروق بحيث تشمل العروق المتحرّكة النّابتة من القلب ، والسّاكنة النّابتة من الكبد ، و الأعصاب النّابتة من الدّماغ. و المراد بالأوصال مفاصل البدن و ما يصير سببا لوصولها ، فإنّ بها تتمّ الحركات المختلفة من القيام و القعود و تحريك الأعضاء.

3.لأنّ الغذاء يرد أوّلاً المعدة ، فإذا صار كيلوسا نفذ صفوه في العروق الماساريقية إلى الكبد ، و بعد تولّد الأخلاط فيه إلى سائر البدن لبدل ما يتحلّل ، فالمعدة و البطن و ما احتوى عليه البطن من الأمعاء و الكبد و الأخلاط بمنزلة خزانة المَلِك ، يجمع فيها ثمّ يفرّق إلى سائر البدن .

4.لأنّ اللّه تعالى جعله في الصّدر ، لأنّه أحفظ أجزاء البدن ، لأنّه فيه محاط بعظام الصّدر ، و بفقرات الظّهر و بالأضلاع . و حجاب القلب بمنزلة غلاف محيط به ، و الحجابان اللّذان يقسمان الصّدر محيطان به أيضا ، فهو محجوب بحجب كثيرة ، كما أنّ الملك يحتجب بحجب و حجاب كثيرة.

5.إذ هو مستور بالحجب، فلا بدّ له من آلة ظاهرة توصّل إليه أحوال الأشياء النّافعة و الضّارّة. و بالمعنى الآخر لمّا كان إدراكه موقوفا على الأعضاء و الآلات ولا يكفي في ذلك الرّوح الّذي في القلب حتّى يسري إلى الأعضاء الّتي هي محلّ الإدراك ، فيصدق أنّه محجوب بالحجب بهذا المعنى. ثمّ إنّ سائر الحواسّ الخمس من السّامعة و الشّامة و الذّائقة و اللامسة وإن كانت أُسوة للباصرة في ذلك، فإنّ بالسّامعة يطلع على الأصوات الهائلة ، و الأشياء النّافعة الّتي لها صوت فيجلبها ، والضّارة فيجتنبها ، و كذا الشّامّة تدلّه على المشمومات الضّارة و النّافعة ، و الذّائقة على الأشياء النّافعة و السّموم المهلكة ، و اللامسة على الحرّ والبرد و غيرهما. لكن فائدة الباصرة أكثر ، إذ أكثر تلك القوى إنّما تدرك ما يجاورها و ما يقرّب منها ، و الباصرة تدرك القريب و البعيد ، و الضّعيف و الشّديد ، فلذا خصّه عليه السلام بالذّكر ، ولذلك جعلها اللّه في أرفع المواضع في البدن و أحصنها و أكشفها .


مكاتيب الأئمة ج5
190

قال : و عاجل المأمون الخروج إلى بلخ ۱ و تخلّف عنه أبو الحسن عليه السلام ، فكتب المأمون إليه كتابا يتنجّز ما كان ذكره له ممّا يحتاج إلى معرفته على ما سمعه و جرّبه من الأطعمة و الأشربة و أخذ الأدوية و الفصد و الحجامة ۲ و السّواك و الحمّام و النّورة و التّدبير في ذلك . فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام كتابا هذه نسخته :

۰.بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
اعتَصَمتُ بِاللّهِ . أَمَّا بَعدُ : فَإِنَّه وَصَلَ كِتابُ أَميرِ المُؤمِنينَ فيما أَمَرني بِهِ مِن تَوقيفِهِ عَلى ما يَحتاجُ إِليهِ ، مِمَّا جَرَّبتُهُ وَ سَمِعتُهُ في الأَطعِمَةِ ، وَ الأَشرِبَةِ ، وَ أَخذِ الأَدويَةِ ، وَ الفَصدِ ، وَ الحِجامَةِ ، وَ الحَمَّامِ ، وَ النُّورَةِ ، وَ الباهِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِمَّا يُدَبِّرُ استِقامَةَ أَمرِ الجَسَدِ بِهِ .
وَ قَد فَسَّرتُ ( لِأَميرِ المُؤمِنينَ ) ۳ ما يَحتاجُ إِليهِ ، وَ شَرَحتُ لَهُ ما يَعمَلُ عَلَيهِ مِن تَدبيرِ مَطعَمِهِ ، وَ مَشرَبِهِ ، وَ أَخذِهِ الدَّواءِ ، وَ فَصدِهِ ، وَ حِجامَتِهِ ، وَ باهِهِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِمَّا يَحتاجُ إِليهِ في سياسَةِ جِسمِهِ ، وَ بِاللّهِ التَّوفيقُ .

[إنّ اللّه لم يُنزل داءً إلّا أنزل له دواءً]

۰.اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ ۴ : إِنَّ اللّهَ عز و جل لَم يَبتَلِ البَدنَ بِداءٍ حَتّى جَعَلَ لَهُ دَواءً يُعالَجُ بِهِ ، وَ لِكُلِّ صِنفٍ مِنَ الدَّاءِ صِنفٌ مِنَ الدَّواءِ وَ تَدبيرٌ وَ نَعتٌ .

[ وظائف الأعضاء و مثالها مثال المُلك ]

۰.و ذلِكَ أَنَّ هذِهِ الأَجسامِ أُسِّسَت عَلى مِثالِ المُلكِ ۵ . فَمَلِكُ الجَسَدِ هوَ

1.بلخ : مدينة مشهورة بخراسان ، من أجلّ ولاياتها وأشهرها ذكرا وأكثرها خيرا ( مراصد الاطلاع : ج۱ ص۲۱۷) .

2.الفرق بين الفصد و الحجامة : الفصد : هو استفراغ كلّي يستفرغ الكثرة ، و الكثرة هي تزايد الأخلاط على تساويها في العروق . و الحجامة : كالفصد و هو شقّ العرق و إخراج الدّم منه ، لكنّها تختلف عن الفصد بأنّها تؤخذ من صغار العروق ( راجع : القانون لابن سينا : ج ۱ ص۲۰۴ و ۲۱۲ ) .

3.في بحار الأنوار : « له » بدل « لأمير المؤمنين » .

4.ليس في بحار الأنوار : «يا أمير المؤمنين» .

5.. قوله عليه السلام :«على مثال المُلك» ـ بالضّم ـ أي:المملكه الّتييتصرّف فيها المَلِك،فمَلِك الجسد ـ بفتح الميم وكسر اللّام ـ أي :سلطانه ،وهو القلب .كذا فيأكثر النّسخ ،وربّما يتوهّم التّنافي بينه وبين ماسيأتي من أنّ بيت الملك قلبه . ويمكن رفع التّنافي بأنّ للقلب معاني : أحدها : اللّحم الصّنوبري المعلّق في الجوف . الثّاني : الرّوح الحيواني الّذي ينبعث من القلب ويسري في جميع البدن . الثّالث:النّفس النّاطقة الإنسانيّة الّتي زعمت الحكماء وبعض المتكلّمين أنّها مجرّدة متعلّقة بالبدن ، إذ زعموا أن تعلّقها أوّلاً بالبخار اللّطيف المنبعث من القلب المسمّى بالروح الحيواني ،وبتوسّطه تتعلّق بسائر الجسد ،فإطلاقه على الثّانيلكون القلب منشأه ومحلّه،وعلى الثّالث لكون تعلّقها أوّلاً بما في القلب . فيحتمل أن يكون مراده عليه السلام بالقلب ثانيا المعنى الأوّل ، و به أوّلاً أحد المعنيين الآخرين . وفي بعض النّسخ «هو ما في القلب» فلا يحتاج إلى تكلّف. لكن يحتمل المعنى الثّاني على الظّرفيّة الحقيقية ، و الثّالث على الظّرفيّة المجازيّة ، بناءً على القول بتجرّد الرّوح . و على التّقديرين كونه مَلِك البدن ظاهر ، إذ كما أنّ المَلِك يكون سببا لنظام أُمور الرّعيّة و منه يصل الأرزاق إليهم ، فمنه يصل الرّوح الّذي به الحياة إلى سائر البدن . وعلى رأي أكثر الحكماء إذا وصل الرّوح الحيوانيّ إلى الدّماغ صار روحا نفسانيّا يسري بتوسّط الأعصاب إلى سائر البدن ، فمنه يحصل الحسّ و الحركة فيها ، و إذا نفذ إلى الكبد صار روحا طبيعيّا فيسري بتوسّط العروق النّابتة من الكبد إلى جميع الأعضاء ، و به يحصل التّغذية و التّنمية . و كما أنّ السّلطان قد يأخذ من الرّعايا ما يقوم به أمره ، كذلك يسري من الدّماغ و الكبد إليه القوّة النّفسانيّة و القوّة الطّبيعيّة .

  • نام منبع :
    مكاتيب الأئمة ج5
    المساعدون :
    الفرجي، مجتبی
    المجلدات :
    7
    الناشر :
    دارالحديث
    مکان النشر :
    قم
    تاریخ النشر :
    1387
    الطبعة :
    الاولى
عدد المشاهدين : 119630
الصفحه من 464
طباعه  ارسل الي