قال : و عاجل المأمون الخروج إلى بلخ ۱ و تخلّف عنه أبو الحسن عليه السلام ، فكتب المأمون إليه كتابا يتنجّز ما كان ذكره له ممّا يحتاج إلى معرفته على ما سمعه و جرّبه من الأطعمة و الأشربة و أخذ الأدوية و الفصد و الحجامة ۲ و السّواك و الحمّام و النّورة و التّدبير في ذلك . فكتب إليه أبو الحسن عليه السلام كتابا هذه نسخته :
۰.بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
اعتَصَمتُ بِاللّهِ . أَمَّا بَعدُ : فَإِنَّه وَصَلَ كِتابُ أَميرِ المُؤمِنينَ فيما أَمَرني بِهِ مِن تَوقيفِهِ عَلى ما يَحتاجُ إِليهِ ، مِمَّا جَرَّبتُهُ وَ سَمِعتُهُ في الأَطعِمَةِ ، وَ الأَشرِبَةِ ، وَ أَخذِ الأَدويَةِ ، وَ الفَصدِ ، وَ الحِجامَةِ ، وَ الحَمَّامِ ، وَ النُّورَةِ ، وَ الباهِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِمَّا يُدَبِّرُ استِقامَةَ أَمرِ الجَسَدِ بِهِ .
وَ قَد فَسَّرتُ ( لِأَميرِ المُؤمِنينَ ) ۳ ما يَحتاجُ إِليهِ ، وَ شَرَحتُ لَهُ ما يَعمَلُ عَلَيهِ مِن تَدبيرِ مَطعَمِهِ ، وَ مَشرَبِهِ ، وَ أَخذِهِ الدَّواءِ ، وَ فَصدِهِ ، وَ حِجامَتِهِ ، وَ باهِهِ ، وَ غَيرِ ذلِكَ مِمَّا يَحتاجُ إِليهِ في سياسَةِ جِسمِهِ ، وَ بِاللّهِ التَّوفيقُ .
[إنّ اللّه لم يُنزل داءً إلّا أنزل له دواءً]
۰.اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ ۴ : إِنَّ اللّهَ عز و جل لَم يَبتَلِ البَدنَ بِداءٍ حَتّى جَعَلَ لَهُ دَواءً يُعالَجُ بِهِ ، وَ لِكُلِّ صِنفٍ مِنَ الدَّاءِ صِنفٌ مِنَ الدَّواءِ وَ تَدبيرٌ وَ نَعتٌ .
[ وظائف الأعضاء و مثالها مثال المُلك ]
۰.و ذلِكَ أَنَّ هذِهِ الأَجسامِ أُسِّسَت عَلى مِثالِ المُلكِ ۵ . فَمَلِكُ الجَسَدِ هوَ
1.بلخ : مدينة مشهورة بخراسان ، من أجلّ ولاياتها وأشهرها ذكرا وأكثرها خيرا ( مراصد الاطلاع : ج۱ ص۲۱۷) .
2.الفرق بين الفصد و الحجامة : الفصد : هو استفراغ كلّي يستفرغ الكثرة ، و الكثرة هي تزايد الأخلاط على تساويها في العروق . و الحجامة : كالفصد و هو شقّ العرق و إخراج الدّم منه ، لكنّها تختلف عن الفصد بأنّها تؤخذ من صغار العروق ( راجع : القانون لابن سينا : ج ۱ ص۲۰۴ و ۲۱۲ ) .
3.في بحار الأنوار : « له » بدل « لأمير المؤمنين » .
4.ليس في بحار الأنوار : «يا أمير المؤمنين» .
5.. قوله عليه السلام :«على مثال المُلك» ـ بالضّم ـ أي:المملكه الّتييتصرّف فيها المَلِك،فمَلِك الجسد ـ بفتح الميم وكسر اللّام ـ أي :سلطانه ،وهو القلب .كذا فيأكثر النّسخ ،وربّما يتوهّم التّنافي بينه وبين ماسيأتي من أنّ بيت الملك قلبه .
ويمكن رفع التّنافي بأنّ للقلب معاني : أحدها : اللّحم الصّنوبري المعلّق في الجوف . الثّاني : الرّوح الحيواني الّذي ينبعث من القلب ويسري في جميع البدن . الثّالث:النّفس النّاطقة الإنسانيّة الّتي زعمت الحكماء وبعض المتكلّمين أنّها مجرّدة متعلّقة بالبدن ، إذ زعموا أن تعلّقها أوّلاً بالبخار اللّطيف المنبعث من القلب المسمّى بالروح الحيواني ،وبتوسّطه تتعلّق بسائر الجسد ،فإطلاقه على الثّانيلكون القلب منشأه ومحلّه،وعلى الثّالث لكون تعلّقها أوّلاً بما في القلب . فيحتمل أن يكون مراده عليه السلام بالقلب ثانيا المعنى الأوّل ، و به أوّلاً أحد المعنيين الآخرين .
وفي بعض النّسخ «هو ما في القلب» فلا يحتاج إلى تكلّف. لكن يحتمل المعنى الثّاني على الظّرفيّة الحقيقية ، و الثّالث على الظّرفيّة المجازيّة ، بناءً على القول بتجرّد الرّوح . و على التّقديرين كونه مَلِك البدن ظاهر ، إذ كما أنّ المَلِك يكون سببا لنظام أُمور الرّعيّة و منه يصل الأرزاق إليهم ، فمنه يصل الرّوح الّذي به الحياة إلى سائر البدن .
وعلى رأي أكثر الحكماء إذا وصل الرّوح الحيوانيّ إلى الدّماغ صار روحا نفسانيّا يسري بتوسّط الأعصاب إلى سائر البدن ، فمنه يحصل الحسّ و الحركة فيها ، و إذا نفذ إلى الكبد صار روحا طبيعيّا فيسري بتوسّط العروق النّابتة من الكبد إلى جميع الأعضاء ، و به يحصل التّغذية و التّنمية . و كما أنّ السّلطان قد يأخذ من الرّعايا ما يقوم به أمره ، كذلك يسري من الدّماغ و الكبد إليه القوّة النّفسانيّة و القوّة الطّبيعيّة .