المَنخَرانِ هُما ثَقبا الأَنفِ ، وَ الأَنفُ يُدخِلُ عَلى المَلِكِ مِمَّا يُحِبُّ مِنَ الرَّوائِحِ الطَّيِّبَةِ ، فَإِذا جاءَ ريحٌ يَسوء أَوحى المَلِكُ إِلى اليَدَينِ فَحَجَبَت بَينَ المَلِكِ وَ بَينَ تِلكَ الرَّوائِحِ .
وَ لِلمَلِكِ مَعَ هذا ثَوابٌ وَ عَذابٌ ، فَعَذابُهُ أَشَدُّ مِن عَذابِ المُلوكِ الظَّاهِرَةِ القاهِرَةِ في الدُّنيا ، وَ ثَوابُهُ أَفضَلُ مِن ثَوابِها ۱ ! فَأَمَّا عَذابُهُ فَالحُزنِ ، وَ أَمّا ثَوابُهُ فَالفَرَحِ ، وَ أَصلُ الحُزنِ في الطِّحالِ ، وَ أَصلُ الفَرَحِ في الثَّربِ ۲ وَ الكُليَتَينِ ، وَ فيهِما ۳ عِرقانِ موصِلانِ إِلى الوَجهِ ، فَمِن هُناكَ يَظهَرُ الفَرَحُ وَ الحُزنُ ، فَتَرى تَباشيرِهِما ۴ في الوَجهِ . وَ هذِهِ العُروقِ كُلُّها طُرُقٌ مِنَ العُمَّالِ إِلى المَلِكِ وَ مِنَ المَلِكِ إِلى العُمَّالِ ، وَ تَصديقُ ۵ ذلِكَ أَنَّه ۶ إِذا تَناوَلتَ الدَّواءَ أَدَّتهُ العُروقُ إِلى مَوضِعِ الدَّاءِ بِإِعانَتِها ۷ .
[عمارة الجسم مثل عمارة الأرض ]
۰.وَ اعلَم يا أَميرَ المُؤمِنينَ ۸ : إنَّ الجَسَدَ بِمَنزِلَةِ الأَرضِ الطَّيِّبَةِ ، مَتى تُعوهِدَت بِالعِمارَةِ وَ السَّقي مِن حَيثُ لا تَزدادُ مِنَ ۹ الماءِ فَتَغرِق ، وَ لا تُنقَصُ مِنهُ فَتَعطَشَ ، دامَت عِمارَتُها ، وَ كَثُرَ رَيعُها ، وَ زَكا زَرعُها . وَ إِن تَغافَلتَ عَنها فَسَدَت ، و نَبَتَ ۱۰ فيها العُشبُ ۱۱ ، وَ الجَسَدُ بِهذِهِ المَنزِلَةِ .
1.في بحار الأنوار : «ثوابهم» بدل «ثوابها».
2.« الثّرب » غشاء على المعدة والأمعاء ، ذو طبقتين بينهما عروق و شرايين و شحم كثير ، و منشؤه من فم المعدة ، ومنتهاه عند المعاء الخامس المُسمّى بقولون . و سبب كون الفرح منه أنّه بسبب كثرة عروقه و شرايينه يجذب الدّم و رطوبته إلى الكلية ، فيصير سببا لصفاء الدّم و رقّته و لطافته ، فينبسط به الرّوح .
3.في بحار الأنوار : «منهما» بدل «فيهما» .
4.في بحار الأنوار : «علامتهما» بدل «تباشيرهما» .
5.في بحار الأنوار : «مصداق» بدل «تصديق» .
6.زاد في بحار الأنوار : «أنّه».
7.زاد في بحار الأنوار : «بإعانتها».
8.ورد في بعض نسخ المصدر : «أيّها الأمير» بدل «يا أمير المؤمنين» .
9.في بحار الأنوار : «يزداد في» بدل «تزداد من».
10.في بحار الأنوار : «تغوفل عنها فسدت و لم ينبت».
11.العُشب ـ بالضّم ـ : الكلاء الرّطب.